الرأي

ماذا نريد؟ وماذا يُراد لنا؟

عبد الرزاق قسوم
  • 2978
  • 0

أي أرض تقلك؟ وأي سماء تظلك، عندما يلفك الصمت من كل جانب، ويأتيك الموت من كل مكان، فتستيقظ، على هلع التفجير، ويصدمك هول التدمير، فتتعطل فيك ملكة التفكير، وتُشل لديك طاقة المسير، وتتلاشى فيك بقايا الضمير؟

كيف يكون حالك، حينما، تتحول الكلمات عندك إلى صخر، والقلم بين يديك إلى جمر؟

كيف تصوغ المعاني، وتنحت المباني، بعدما تصبح الأفعال، والأسماء، والحروف كلها أدوات للشر؟ والقيم، والمبادئ، والأحكام، جالبة للضر؟ إلى أين المفر؟ وما هو المستقر؟

نقول هذا، ونحن نعيش صدمات، وكدمات، هذا العنف الدموي الأعمى، الذي أصبح عابراً للقارات، ومتحدياً للإجراءات، وهازماً للذات، ومفرقاً للجماعات، ومتجاوزا لكل الثقافات والديانات.

نبرأ إليك –ربي- مما يفعله البعض باسم الدين، أي دين، ونعوذ بك، ممن يزرعون الخراب والدمار، بين المطمئنين الآمنين، من السكان في كل الأوطان، والذين يدينون بكل الأديان، ويأتون ما يأتون، بإيحاء شياطين الإنس والجان.

فما ذنب المسافر، عابر السبيل، والساكن القاطن في كوخ من الطين، والمتوكل على الله، الساعي على الأرملة والمسكين، أن يكون مصيره تفجير أشلائه، ذات الشمال، وذات اليمين؟

أفيرضى الله عن هذا، ويعفو؟ إن هذا لهو البلاء المبين؟ نحن نرثى، لهذا الشباب اليافع الذي يقدم على جريمة الانتحار، بكل عنجهية وافتخار، فيقتل العجزة، ويجهز على النساء، والصبية الصغار، متعمداً، يتبوأ مقعده من النار.

تالله لقد حيرنا أمر الآمرين بهذه الجرائم، والمقبلين على تنفيذها، والمبررين لمقصدها وغايتها. وتزداد حيرتنا، عندما تتم تحت جناح الإسلام، وتطبيقاً لسوء فهم النصوص والأحكام.

ذلك أن الإسلام الذي ندين به، ونؤمن بتعاليمه، ونتعبد بآياته وأحاديثه، هو الدين الذي يدعو إلى الأمن والأمان، والإيمان، وينشر السلم والسلام، والاطمئنان فبأي حديث بعده يؤمنون؟

لا نشك في أن هؤلاء الشبان الحاملين للفكر الإسلامي، هم ضحايا سوء فهم للإسلام، وهم –ولا شك- واقعون تحت وطأة الشاذ من الأفهام، وهم قبل هذا، وبعد هذا يعانون، جور الحكام، وإقصاء الظلاّم، وحصاد حملات الإعلام.

ولا نعتقد، أن معالجة قضاياهم، ينبغي أن تقتصر على الجانب الأمني وحده، فالمعضلة لها جوانبها النفسية، والاجتماعية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، وكل جانب يتطلب معالجة خاصة، يضطلع به متخصصون، ذوو علم، وحكمة، ومنهج، وروية.

يجب أن تتجند الأسرة، والمدرسة، والجامع، والجامعة، والمؤسسة الإعلامية، والعلماء، والحكماء، والعقلاء، للتكفل بواقع أبنائنا الأبرياء، ضحايا قلة العلم، وسوء الفهم، فللحوار، حكمته التي لا ينبغي أن تغيب عن المعالجة، وللترغيب، أسلوبه الذي لا يجب أن يغفل، في استمالة البعض. كما أن التصدي لألوان العنصرية، والإقصاء، والظلم والإلغاء، والإسلاموفوبيا وما تجلبه من إيذاء، كلها عوامل، لا ينبغي الاستهانة بها في معالجة ظاهرة الغلو، والتشدد، باسم الدين، وباسم اللادين.

ففي هذه الجبهة، البغيضة، التي تضم لفيفاً من المنتسبين للدين، والمعادين للدين، تبرز أطياف من الثقافات، والألوان، من مختلف القارات، فمن بوكو حرام، إلى داعش، إلى أصحاب اليمين في أوروبا، إلى العنصريين في بورما، إلى الخطاب الصليبي، الصهيوني، كلها تغذي النعرة الانتقامية، والشذوذ الفكري.

ويعيبون علينا –كمسلمين- أننا أنتجنا غلاة، ومتشددين، يعلنون انتماءهم إلى الإسلام، ولكن ما الحيلة، إن صح ما نسبته الشبكة العنكبوتية للرئيس أوباما، وأنه ألقى خطاب وداع في البيت الأبيض، فذلك تجسيد للخطاب العربي الرسمي.

وإن تعجب فاعجب، لمسؤول رسمي، في أعلى قمة أمريكا يباهي بأن القوات الأمريكية، خرجت من العراق، ولكنها أبقت على وجود أمريكي فيه، وجعلت العراق قسمة بين ميليشيات شيعية تقمع السنة، وتأخذه بعيداً عن محيطه العربي.

ويستدل الرئيس الأمريكي، إن صح ما نسب إليه، على تنفيذ مخططه الطائفي الصليبي، بنصوص “من العهدين القديم والجديد، اللذين حدثانا عن خطر العراق اليوم، وعن عقوبة الرب، لطغاة ذلك البلد”.

كما أن الرئيس أوباما في خطبة وداعه المزعومة للبيت الأبيض تبجح، بأن من إنجازاته “واد الربيع العربي” قائلاً: “فأنتم تعلمون أن الثورات التي نشبت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2011، هددت أمن صديقتنا إسرائيل، التي نعد بقاءها في ذلك الجزء من العالم، مرتبطاً ببقاء هويتنا نحن، ولهذا نظرت أمريكا إلى تلك الثورات بصفتها خطرا كامناً، لابد من إجهاضه”. ويضيف الرئيس أوباما: “وقد نجحنا بالتعاون مع حلفائنا في تحويل ليبيا إلى دولة فاسدة، وقضينا على المولود الديمقراطي في مصر، ومنعنا السوريين من الحصول على أسلحة توقف القصف الجوي، وسمحنا لحلفائنا الشيعة باستباحة سوريا، وإغراقها بالدم، فلا مصلحة لنا، من انتصار ثورة تهدد الشعب اليهودي، وتعزز نفوذ الإسلام المتشدد”.

إن خطاباً بهذه المواصفات، إن تأكد، ليس خطاب نتنياهو في إسرائيل، أو ماري لوبين في فرنسا، ولكنه خطاب رئيس الدولة التي تحمل –سياسياً- لواء التبشير بالديمقراطية، في حين تعمل واقعياً على وأد الديمقراطية، في كل بلد عربي أو مسلم.

فماذا نريد نحن إذن؟ وماذا يُراد لنا؟.

نحن نريد نشر إسلام، هو إسلام العدل والديمقراطية، وإسلام التسامح والوسطية، إسلام التعايش والأخوة الإنسانية.

لكن يراد لنا، أن نغرق في الدم، ثم يتهموننا بالإرهاب والهمجية، ويراد لنا أن يكون بأسنا بيننا شديداً، حتى يسهل ابتلاعنا، والتمكين لعدونا المزمن، إسرائيل، من فرض نفوذه، وسيطرته على بلداننا.

إنهم يريدوننا أن نتقاتل سنة، وشيعة، وأكراداً، ومذاهب، وأحزاباً، ثم يقولوا للعالم: انظروا، إن المسلمين لا يصلحون للحكم، ولا للديمقراطية.

وبعد كل هذا، يعجبون، من أن يولد منا ابن لادن، وأيمن الظواهري، وأبوبكر البغدادي، والقاعدة، وداعش، وكل أشكال الغلو، والتشدد، والتطرف.

إنه ليؤلمنا، أن نعترف بأن هذا الإرهاب إن هو إلا رد فعل قبيح، لفعل أقبح، ولكن يزول رد الفعل، يجب البدأ بإزالة الفعل، فهناك الإرهاب، وهناك الإرهاب المضاد. وما لم يتجند عقلاء العالم، من المثقفين والعلماء، والسياسيين، من كل الديانات والثقافات، لمقاومة الظلم والفساد أينما وجد، والقهر والاستبداد حيثما حل وارتحل، ما لم تتم التعبئة الإنسانية على أساس الحق الإنساني في الحرية، والعدل، فسيظل الإرهاب قائماً، كرد فعل للإرهاب المضاد، المنظم، الذي ترعاه الدول الغنية، وترعاه القوة الرسمية.

وذلك هو الفرق بين ما نريده نحن المسلمون، وما يراد لنا من أعدائنا الظالمين. 

مقالات ذات صلة