ماذا يريد “أمير المؤمنين”؟
الآن وقد قرّر المغرب التصعيد والمطالبة بلجنة تحقيق دولية في حادث تعرّض مواطنه لطلق ناري من حراس الحدود الجزائريين، على حدّ زعمه، في سياق تصعيد ضغطه على الجزائر لدفعها إلى فتح الحدود، يمكن للجزائر أيضاً أن تطالب بدورها بإنشاء لجنة دولية للتحقيق في تحوّل المملكة إلى أكبر منتج للقنب الهندي في العالم وما يمثله ذلك من تهديدٍ لشباب العديد من الدول.
المغرب يزرع هذه النبتة المخدِّرة الخطيرة على مساحة تصل إلى 47 ألف و500 هكتار حسب تقرير للأمم المتحدة، لينتزع بذلك “الصدارة” من أفغانستان، ليس للاستهلاك الداخلي، بل بغرض “تصديرها” إلى مختلف الدول عن طريق التهريب، والاسترزاق من عائداتها التي تتجاوز 12 مليار دولار سنوياً، وذلك على حساب العديد من البلدان التي تجد نفسها تواجه مشكلاتٍ مستعصية مع الملايين من أبنائها المدمنين الذين يتحوّلون إلى عبء على الصحة العامة، وإلى خطر على الأمن العام ويحترف الكثيرُ منهم الاجرام واللصوصية ويفقدون شعورهم بإنسانيتهم ويرتكبون جرائم تقشعرّ لها الأبدان تحت تأثير المخدرات، فضلاً عن تفشّي الآفات الاجتماعية على نطاق واسع.
وحينما تحجز الجمارك ومختلف أسلاك الأمن 216 طن من القنب المهرّب من المغرب في عام 2013، وهو رقم قياسي غير مسبوق منذ الاستقلال، فإن هذا الرقم المهول يحتم على الجزائر أن تدق ناقوس الخطر وتسعى إلى “تدويل” مشكلة تهريب المغرب لمخدّراته إلى الجزائر واتخاذها في نفس الوقت منطقة عبور إلى دول الساحل وأوربا والمشرق العربي، لتسميم شبابها بهذا المخدر الخطير؛ فهذا الرقم يدلّ على أن هناك حرباً حقيقية على الجزائر تستهدف ثروتها الشبابية، ولا يُعقل أن تواصل الجزائر السكوت عن هذا المنكر في حين يقيم بلاطُ “أمير المؤمنين” الدنيا ولا يقعِدها بسبب إصابة مشبوهة لمهرِّب مخدراتٍ مغربي، ويسعى إلى تدويل “قضيته؟“؛ فإذا كان المخزن ينتصر لمهرِّب سموم، فلماذا تسكت الجزائر عن “حرب المخدرات” التي يشنها عليها المغرب منذ سنوات طويلة بغرض تدمير الملايين من شبابها وتحويلهم إلى مدمنين مجرمين؟
لقد كانت المخدِّرات المغربية تُهرَّب بكميات قليلة منذ عشريتين فقط، ولكن المغرب ضاعفها بمتوالية هندسية، وآن الأوانُ لتتحرك الجزائر لتدويل القضية وإقناع ـ على الأقل ـ الدول المتضررة من هذه الآفة الخطيرة بضرورة الضغط على مملكة “أمير المؤمنين” للتوقف عن زراعة هذه السموم تحت طائلة تهديدها بعقوبات دولية. ليس من المعقول أن يزرع المغرب 47 ألف هكتار من أراضيه بالمخدرات ليُغرق بها دولاً كثيرة في ثلاث قارّات، ولا يتحرّك العالم لمعاقبته وإجباره على إيقاف هذه الزراعة الممنوعة دولياً.
وما لم تتحرّك الجزائر على الصعيد الدولي ضد هذه الآفة، فإنها لن تستطيع وحدها مواجهتها. ربما نجحت الخنادقُ التي حفرها الجيش على حدودنا الغربية في تخفيض كمّية المخدرات المهرّبة من 216 طنا في 2013، إلى نحو 61 طنا في 2014، ولكن هذا الاجراء لا يمكن القياسُ عليه لأنه يمكن قراءته من زاوية أخرى وهي أن كمية ضخمة من القنب قد فلتت من الرقابة ودخلت إلى السوق، وأن المهرِّبين قد وجدوا حيلاً جديدة يتجاوزون بها عقبة الخنادق.
هناك خطرٌ ماحق يداهم الجزائر والملايين من أبنائها بجدّية من حدودها الغربية، وحان الوقت لتتحرك السلطات بفعالية لمعالجة هذه المسألة من جذورها بشكل أو بآخر.