-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تنصّل من حقّ الاعتراف للحديث عن الاعتذار

ماكرون يتلاعب بالألفاظ هروبًا من جرائم الاستعمار

محمد مسلم
  • 2920
  • 0
ماكرون يتلاعب بالألفاظ هروبًا من جرائم الاستعمار
أرشيف
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون

كشفت التصريحات التي تضمنها حوار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمجلة “لوبوان”، عن رغبة لدى الجانب الفرنسي في المراوغة والتلاعب، في التعاطي مع قضية الماضي الاستعماري لبلاده، في انزلاق آخر من شأنه أن يضع العلاقات الثنائية على المحك من جديد.

وعلى الرغم من أن السلطات الجزائرية لم تطلب بصفة رسمية من نظيرتها الفرنسية تقديم الاعتذار، وإنما طالبتها بالاعتراف بجرائم الاحتلال ليس فقط خلال الثورة التحريرية (حرب الجزائر كما تسمى في الأدبيات الفرنسية)، ولكن طيلة فترة الاحتلال التي دامت 132 سنة، ومع ذلك يتحدث الرئيس ماكرون، كما جاء في حواره الأخير لمجلة “لوبوان”، عن رفضه تقديم الاعتذار.

الرئيس الفرنسي ومن خلال ما جاء في حواره يحاول تحريف النقاش الرسمي عن مساره الصحيح، عبر إقحام قضية الاعتذار، التي تبقى مطلبا غير رسمي رفعته بعض المنظمات والجمعيات، مثل جمعية 08 ماي 1945، التي أسسها المرحوم بشير بومعزة في تسعينيات القرن الماضي، وتفاعل معه الرأي العام باعتباره مطلبا مشروعا بالنظر للجرائم البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الفرنسي في حق الجزائريين طيلة 132 سنة.

أما ما تريده الجزائر الرسمية، استنادا إلى خطابات الرئيس عبد المجيد تبون، فهو اعتراف رسمي وباسم الدولة الفرنسية، غير أن الرئيس الفرنسي يحاول إقحام مطلب يراه غير ممكن في نظره، من أجل رفض مطلب آخر يبقى مشروعا وهو الاعتراف، حتى وإن بقيت قضية الاعتذار مطلبا شعبيا يلاحق جرائم فرنسا الاستعمارية على مدار الأجيال القادمة.

في حواره الأخير لمجلة “لوبوان”، حاول ماكرون التذكير بأنه أقدم على خطوات يعتبرها اعترافا بجرائم الدولة الفرنسية، من خلال الحديث عن مسؤولية جيش الاحتلال في تصفية المناضل والثائر من أجل القضية الجزائرية، أستاذ الرياضيات، موريس أودان، وكذا مسؤولية الجيش ذاته في تصفية محامي الثورة التحريرية، علي بومنجل، بعد ما أشاعت الآلة الدعائية الاحتلالية بأنه انتحر، غير أن تلك المبادرات تبقى مجتزئة وانتقائية، تستهدف تحقيق أغراض سياسوية ولا تذهب بعيدا في معالجة ملف الذاكرة في عمقه وتشعباته.

ما تريده الجزائر الرسمية هو اعتراف فرنسا بجرائمها التي ترقى، بل تتجاوز، جرائم ضد الإنسانية، وحرب إبادة بحق الجزائريين، بداية من عام 1830 التي شهدت مقاومة شرسة قادها الجزائريون ضد جيش الاحتلال من سيدي فرج، إلى غاية 18 مارس 1962، مرورا بالمقاومات التي ثارت في وجه جيش الاحتلال في مختلف ربوع الوطن، وخلال تلك المرحلة قام جيش الاحتلال بممارسات وحشية تتجاوز حدود الخيال البشري.

هذا ما تريده الجزائر من الدولة الفرنسية، ويبدو أن الرئيس ماكرون يفتقد إلى الشجاعة وتعوزه الجرأة ليعبر عما هو مقتنع به في قرارة نفسه. هو متردد وخائف من ردود أفعال لوبيات تدير المشهد من خلف الستار. واللافت أن هذه اللوبيات هي تلك التي لا تريد لأي تقارب بين الجزائر وفرنسا أن يستقيم.

وصل ماكرون إلى دواليب المناصب السياسية السامية في الدولة الفرنسية، راكبا ماكينة الاشتراكيين عندما كان الرئيس السابق فرانسوا هولاند قائدها، غير أنه وبمجرد وصوله إلى سدة قصر الإليزيه، أصبح قريبا من اليمين في مواقفه وحتى في صداقاته السياسية، ولا غرابة  بعد ذلك أن يصبح الرئيس الفرنسي الأسبق، اليميني نيكولا ساركوزي المدان في قضايا فساد عديدة، مقربا منه، يكلفه بمهمات باسم الدولة الفرنسية، كما حصل مؤخرا في جنازة رئيس الوزراء الياباني المغتال، شينزو آبي.

التوقف عند أصدقاء ماكرون الجدد وعلى رأسهم ساركوزي، يعطي مؤشرات كبرى على أن القاضي الأول في فرنسا حاليا، بات رهينة دوائر لا تزال تحلم بأطروحة “الجزائر فرنسية”، وهذا المعطى يجعل ماكرون لا يفكر في إعادة بناء العلاقات مع الجزائر وهو متحرر من عقدة الاستعمار التي تجعل المريض بها مصابا بمرض “دالتون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!