ما أجمل التغابي والتغاضي في الحياة الزوجية!
-
-
9785
-
18
هناك مواقف في الحياة الزوجية تعلّم معنى التغاضي والتغابي من أجل الاستمرار بطريقة عادية اخترنا لكم بعضا منها لنساعدكم على تحقيق الانسجام فيما بينكم:
الموقف الأول: دخل عبد الله بيته وما إن فتح الباب ومشى بضع خطوات حتى تعثّر بلعبة طفلته وكاد يقع فاتجه نحو المطبخ، حيث زوجته وهو متضايق ممّا حصل فلولا العناية الإلهية لكان سقط على وجهه وكسرت يده أو أسنانه..
يا الله كم مرة قلت لها اهتمي بترتيب البيت؟؟.. وصل إليها فقابلته بابتسامة مشرقة وكلمة رقيقة وإذا هي قد أعدّت مائدة مميزة من الطعام اللذيذ الذي يفضّله فأطفأ كل ذلك غضبه وجعل يفكّر: هل الأمر يستحق أن أكرّر مرة أخرى عليها نفس الأسطوانة لتغضب وتخبرني أنها كانت مشغولة بإعداد الطعام، فتجلس على المائدة وهي متضايقة ونتنكد باقي يومنا؟؟ أعتقد أنه من الواجب عليّ التغاضي قليلا لنسعد كثيرا.
الموقف الثاني: انتظرت أمل مجيء محمد بعد انتهاء الحفلة التي دعيت إليها ولكنه تأخّر.. مرت عشر دقائق ثم نصف ساعة على الموعد الذي اتفقنا عليه وبدأ المدعوون بالتناقص.. ثم مرّت ساعة كاملة ولم يبق إلا هي وأصحاب الحفلة الذين كانوا يجاملونها مع ما بدا عليهم من إرهاق..
آه أين أنت يا خالد؟ دائما تحرجني بتأخرك.. إنه لا يلتزم بالمواعيد بتاتا، لقد كدت أبكي من الخجل.. أخيرا حضر، ركبت السيارة بسرعة وهي ترتجف من الغضب، وقبل أن تفتح فمها أخبرها بأنه قد طاف على سبعة محلاّت تجارية ليشتري لها الجهاز الذي طلبته، ولأنه يفضّل دائما أن يختار أجود نوع فلم يكن يقنعه أي منتج حتى وصل آخر محل وجد عنده ضالته.. إنّه في الخلف، هل انتبهت له عند ركوبك؟ التفتت إليه فإذا بطلبها تماما على المقعد الخلفي.. مسكين أنت يا خالد ما أطيب قلبك؟ لكن أيضا لقد أحرجني مع الناس ولا بد أن أخبره بأني متضايقة.. فكرت قليلا، إن عاتبته فسيغضب ويعلو صوته كالعادة وأنا في غنى عن تلك المشاكل، وإن تغاضيت والتزمت الصمت ارتحت ومضت سفينتنا على خير.. وهذا ما اخترت والحمد لله.
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيّد قومه المتغابي
لا يخلو شخص من نقص، ومن المستحيل على كل طرف أن يفهم ما يريده في الآخر، كما أنه لا يمرّ وقت طويل دون أن يستاء أحدهما من تصرّف شريكه، وليس من المعقول أن تندلع حرب كلامية في كلّ وقت وحين من أجل شيء تافه كملوحة الطعام أو نسيان طلب؟؟؟ ولهذا على كل طرف تقبّل نصفه الآخر كما هو مع التغاضي قدر الإمكان عمّا لا يعجبه فيه من صفات أو تصرّفات، لأن الكمال لله وحده، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: “تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل” وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرما وترفعا عن سفاسف الأمور..
والحسن البصري يقول: “مازال التغافل من فعل الكرام”، وبعض الرجال هداهم الله يدقق في كل شيء وينقب في العمق ليختلق المشاكل من العدم فيفتح الثلاجة يوميا ويصرخ: لمَ لم ترتب الخضار؟.. لمَ لم تضع الفاكهة هنا أو هناك؟.. لمَ الطاولة علاها الغبار؟.. كم مرة قلت لك الطعام حارا؟ وهكذا حتى ينكد عيشته وعيشتها.. وكما يقال “ما استقصى كريم قط”.. من جهة أخرى تدقق بعض النسوة أيضا في الكثير من الأّمور: ماذا يقصد زوجي بقوله كذا؟.. لمَ لم يشتر لي هدية بهذه المناسبة؟.. لماذا لم يهاتف والدي ليسأل عن صحّته؟.. وتجعلها مصيبة المصائب وأكبر الكبائر وكأنهم يبحثون عن المشاكل بأنفسهم.
كما أنّ بعض الأزواج يكون عنده عادة لا تعجب الطرف الآخر أو خصلة تعود عليها ولا يستطيع تركها مع أنها بين قوسين لا تؤثر على الحياة المشتركة في شيء، إلا أن شريكه يدع كل صفاته الرائعة ويوجّه عدسته نحو تلك الصفة، محاولا اقتلاعها بالقوة وكلما رآه علّق عليها أو كرّر نصحه بخصوصها فيتضايق صاحبها وتستمر المشاكل، بينما يجدر التغاضي عنها تماما أو يحاول على الأقل ترك ملاحظاته لفترات متباعدة ليستمتعا بباقي طباعهما الجميلة.. فلنتغاضى إذا قليلا حتى تسير الحياة في سعادة وهناء لا تكدّرها الصغائر.. وإذا كان العتاب مهما جدا وهو دليل المحبة، إلاّ أن كثرته تفرق الأحباب كما يقال.
