الرأي

ما أغنى عني ماليه.. هلك عني سلطانيه

ح.م

سلطانان يطغيان الإنسان، ما لم يكن ملتزما بالقانون أو محصّنا بالإيمان، هذان السلطانان هما سلطة المال وسلطة السلطان اللذان غالبا ما يكونان أهم وسيلتين للشيطان، الذي أقسم أن يفسد ولا يصلح. معترفا بأنه لا سلطان له على عباد الرحمن في أي مكان أو زمان.. فاللهم اجعلنا من جنودك لا من جنود إبليس، الذين يأمرون بالمنكر ويفعلونه..

من استقصائنا لتاريخ الإنسانية وجدنا أنه لم ينج من شر الثلاثة (المال- السلطان – الشيطان) إلا من علم الله – عز وجل- في قلبه خيرا فآتاه رشده، فحصّن نفسه الأمّارة بالسود بالإيمان الصادق، وقيّد أهواءه وشهواته، ولجم نفسه، فاتمر بما أمر به في الإسلام وانتهى عما نهي عنه..

إن الدنيا “دوّارة”، ولا يعقل ذلك إلا صاحب عقل رشيد وقلب سليم، وصاحب أذن للمواعظ واعية.

وفي إحدى دورات تلك الدنيا يتدخل القاهر فوق العباد، الفاقر لطغاتهم وجبابرتهم، فإذا العالي بالباطل يسفل الحق، وإذا المعتز بغير الله يذلّ، وإذا الغني عن الله تفقره الفاقرة.. فيصبح يقلّب كفّيه، ويعضّ على أنامله.. ولات ساعة مندم..

لقد تابع الجزائريون في هذه الأيام الماضية محاكمة أناس كانوا يعدون أنفسهم، ويحسبهم الجاهلون على شيء، فإذا الحقيقة هي أنهم مغرورون بالكراسي التي كان يقتعدونها، وإذا بطونهم منتفخة من أكل السحت..

قد يكون أناس صالحون نبّهوا هؤلاء الفاسدين المفسدين، وقد يكون واعظون وعظوهم وحذروهم سوء العواقب، ولكن الشيطان استحوذ عليهم فما سمعوا لمنبّه، ولا لواعظ، ولا لمحذّر، ولو سمعوا ما استجابوا لنصح، لأنهم لا يحبون الناصحين، وكم سمعنا كبراءهم يقولون: “مانحبوش اللّي يعطينا دروس في الدين والوطنية”، فخدعهم الله – عز وجل- لأنهم كانوا يخادعونه.

وعندما رأيت هؤلاء الذين خانوا الأمانة، وطغوا، وأكثروا الفساد، اغترارا بسلطانهم وأموال الشعب التي استحوذوا عليها، عندما رأيتهم يدخلون إلى المحكمة مصفّدين تذكرت ما سيقوله أمثالهم يوم تبلى السّرائر، كما أنبأنا القرآن الكريم: “ما أغنى عنّي ماليه، هلك عنّي سلطانيه”. وأما المحامون الذين يلتمسون الأعذار لهؤلاء الفاسدين المفسدين، ويطلبون لهم العفو أو التخفيف فليسمعوا قول الله – عز وجل-: “ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلا” (النساء 109).

مقالات ذات صلة