الرأي

ما الذي تفكر فيه وزيرة التربية؟!

عبد القادر فضيل
  • 8863
  • 10
ح. م

إن ما تفكر فيه هذه الوزيرة وتدعو إلى تنفيذه في الأجل القريب (في بداية الموسم الدراسي القادم) مشروع إصلاحي غامض الدلال، مشروع تتجاوز أهدافه عملية الإصلاح الذي عبّرت عنه وحدّدت المجال الذي يهمها وهو تجديد المناهج ومراجعة الكتب في السنتين: الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، والسنة الأولى من التعليم المتوسط وهذا مضمون ما فكرت فيه الوزيرة وأفصحت عنه في تصريحاتها وهي مصممة على تنفيذه رغم النقد الموجه لهذا المشروع.

إن مشروع الإصلاح الوارد في قرار الوزيرة لا معنى له، لأن ما تدعو إليه وتسعى إلى تنفيذه، لا يحقق الإصلاح ولا يرتقى بالوضع التعليمي، فهو لا يصلح وضعا فاسدا ولا يعالج خللا، ولا يغير واقعا لا ينسجم مع قيمنا، إنما يتجه إلى إلغاء المناهج القائمة وتعويضها بمناهج جديدة لا نعرف مضمونها ولا حقيقتها، ولم تذكر الأسباب التي دفعت إلى الحكم على المناهج الحالية بعدم ملاءمتها، وجعلت الهدف من مراجعتها هو إلغاؤها وليس تعديلها أو إعادة تصميمها.

وهذا ما جعلنا نتساءل عن المفهوم الذي أعطى لعبارة الجيل الثاني من المناهج، أو من الإصلاحات، فهل الجيل الأول الذي يسعى الإصلاح إلى تغييره أو إلغائه هو المناهج التي عاشتها المدرسة منذ بداية الاستقلال إلى اليوم؟ فإذا كان هذا المفهوم الذي تقصده الوزارة والتي تسعى إلى جعل الجيل الثاني يحل محله ويعوضه، فمعنى ذلك أن ما تم العمل به خلال نصف قرن من الزمن (طوال المرحلة التي عاشتها المدرسة) أصبح مرفوضا في نظر الوزيرة وفي نظر من هم على أفكارها، ولا أظن أن هذا التحليل يقبله الإنسان العاقل. وفي هذا الطرح خلط بين أمور كثيرة: بين الأوضاع المدرسية الموروثة، والتحويرات التي أدخلناها على ما ورثناه في العشرية الأولى، والتي مهّدت للإصلاح، وبين الإصلاح الشامل الذي قمنا به في منتصف السبعينيات، والذي أنهينا به الأوضاع الموروثة وصحّحنا الاتجاهات غير الملائمة، وأسّسنا بمقتضاه مبادئ النظام التربوي الوطني، وحدّدنا صفة المدرسة الجزائرية التي ولدت مع هذا الإصلاح وظلت قائمة، وفي هذا الطرح خلط كذلك بين ما كان قائما وبين الإجراءات التي أقدمت عليها الوزارة بداية من سنة 2003، السنة التي شرعت في تنفيذ ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، اللجنة التي سميت بلجنة بن زاغو، والتي ارتبطت الوزارة بتقريرها، ومازالت مرتبطة بأفكار هذا التقرير، رغم الانتقادات التي وجهت لهذا التقرير والإجراءات التي نفذتها الوزارة، والتي ألغت بمقتضاها العمل بروح السياسة التي كانت متبعة منذ صدور الأمرية الرئاسية المنظمة للتربية والتكوين عام 1976 والتي حددت وجهة المدرسة وخصائصها، ثم ما هي الصفات التي نطبق بها الجيل الأول؟ وماهي الصفات التي يجب أن تتوفر في الجيل الثاني الذي يجري الحديث عنه؟

إذا أردنا تصنيف المناهج وترتيبها وفق تاريخ تطوّر المدرسة نجدها أجيالا ثلاثة: وليس جيلا واحدا كما يفهم من تصريحات الوزيرة، الجيل الأول وهو الذي عرفته المدرسة مع بداية سنوات الاستقلال وهو الجيل المخضرم الذي التقت فيه المناهج الموروثة بالتحويرات التي أدخلت على هذه المناهج الموروثة.

الجيل الثاني وهو جيل المناهج التي عرفتها المدرسة الأساسية التي تأسست نتيجة الإصلاح الشامل الذي أقدمت عليه البلاد ووضعت به حدا للأوضاع الموروثة، وتمت صياغة هذه المناهج منذ الإعلان عن تأسيس النظام التربوي الوطني وهي المناهج التي استمر العمل بها إلى سنة 2003.

ثم جاء الجيل الثالث الذي عرفت معه المدرسة جانبا من التغيير الذي دفع إليه تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، وهذا التغيير لم يحقق أي جانب إيجابي، لا في مستوى التسيير ولا في مستوى الأداء المدرسي، بل دفع القائمين على التعليم إلى التخلي عن أهم مقوّمات النظام التعليمي، وقد نبهنا إلى هذا.

ويبدو أن الوزيرة حين فكرت في التغيير ودعت إليه كانت تستهدف مراجعة الوضع التعليمي القائم الذي هو خلاصة الخطة المتبعة منذ بداية تطبيق إصلاحات بن زاغو أي الوضع الذي عاشته المدرسة منذ سنة 2003، وهو الوضع الذي انتقدته الوزيرة وأوضحت أن مستوى التعليم ضعيف في جوانبه المختلفة، وبيّنت أن النتائج المعبر عنها من خلال نسب النجاح في الامتحانات لا تعبّر عن الحقيقة. وهذا يعني أن الموضوع بحاجة إلى إصلاح، ولكن الإصلاح لا يتم بهذا الذي سمته الجيل الثاني من المناهج، وفي الحقيقة أن ما تقصده هو الجيل الرابع وليس الجيل الثاني، كما تم توضيح ذلك، فالمناهج التي يراد تغييرها أو تجديدها وتجديد الكتب المترجمة لها في السنتين، الأولى والثانية، ليس فيها جيل أول وجيل ثان أو رابع.. ولا ننتظر من تغييرها أو تجديدها ما يحقق تطوّرا، اللهم إلا إذا كان التغيير المستهدف تغييرا جذريا شاملا يلغي ما هو قائم، كما تم ذلك في السبعينيات حيث وضعنا حدا للنظام الموروث وألغينا المناهج التي كانت قائمة، وشرعنا في تنفيذ مرحلة جديدة بمناهج جديدة ومتطوّرة، مناهج لها خصائص تربوية وحضارية، ولعل هذا ما يسعون إليه من خلال المشروع الذي بدأ التخطيط لتنفيذه والذي يحرصون من ورائه على تغيير وجهة المدرسة بجعلها تسترجع اتجاهها اللغوي الذي كان يسيّر مناهجها قبل صدور الأمر المؤسس للمدرسة الجزائرية عام 1976 وأهم ما يعنيه هذا الاتجاه هو إرجاع اللغة الفرنسية إلى المكانة التي كانت لها من قبل في مجال تدريس المواد العلمية في التعليم الثانوي على غرار ما يجري في التعليم العالي، هذا ما يتم التمهيد له، ولعل الاستعانة بالخبراء الفرنسيين الذين جاء الحديث عنهم يصب في هذا الاتجاه.

ورغم أن المسؤولين في الوزارة نفوا ذلك، وحصروا الاستعانة بالخبراء في مجالات أخرى عبر مجال الإصلاح، لكن وزيرة التربية الفرنسية كشفت في حديثها عن الدور الذي يضطلع به هؤلاء الخبراء في مجال التعاون لدعم الوزارة وإعانتها على ما تقوم به في الإصلاح الذي هي مقدمة عليه، ونجد هذا الاتجاه يعيش في تفكير بعض المسؤولين، وهو الاتجاه الذي يدعمه من هم مرتبطون بالثقافة الفرنسية والمنبهرون بها، لذلك لم نستغرب الفكرة التي ظهرت في الصيف الماضي بخصوص الدعوة إلى اعتماد اللهجات الدارجة في التعليم وهي دعوة مشبوهة ولها أهداف، ولا نستغرب اليوم ما قد يظهر من توجه يرمي إلى زيادة العناية باللغة الفرنسية من خلال مراجعة كتبها ورفع توقيتها وتحويل أسلوب تعليمها من تعليمها كلغة إلى تعليمها كثقافة وقيم حضارية، ولا نستبعد أن يستعان بالخبراء في هذا المجال، ولكننا بهذه الملاحظات لا نقف ضد الجهود التي تبذل في مجال تطوير تدريس اللغة الفرنسية كلغة وزيادة العناية بتكوين معلميها، لأننا نريد أن يمتلكها أبناؤنا ويتحكموا في أساليب استعمالها، باعتبارها أداة من أدوات اكتساب المعرفة، على أن لا يكون ذلك على حساب اللغة العربية والمواد المكوّنة للشخصية الوطنية، وكان بالإمكان أن تتجه جهود الإصلاح لمراجعة لغة تدرس الرموز والمصطلحات المعتمدة في تدريس الرياضيات، والاتجاه الذي يوظف في المسائل الحسابية، لأن التعامل بالحروف اللاتينية يشكك أبناءنا في قدرة اللغة العربية.

إن ما طرحته الوزيرة ضمن مشروع المراجعة والتجديد الخاص بكتابي السنة الأولى والثانية، هو تجميع المواد المقررة للسنة الأولى وكذلك السنة الثانية، في كتاب واحد يضم المواد كلها، وما يلاحظ هنا أن المواد التي يمكن أن يشملها كتاب واحد هي: القراءة والكتابة والمحادثة والحساب والأخلاق، أما المواد الأخرى مثل التربية الإسلامية والتربية المدنية والتربية العلمية فلا تحتاج هذه المواد إلى كتب بالنسبة إلى هذا المستوى ومن ثم فلا داعي لجعلها جزءا من كتاب السنة الأولى، بل يمكن تأجيل تعليمها أصلا، وقد كنت نبهت في مقال سابق إلى أن وجود هذه الكتب الثلاثة في السنة الأولى لا معنى له لأن التلميذ في هذا المستوى يجهل القراءة، فلماذا ترهقه بحمل كتب لا يستطيع الاستفادة منها؟ إذ يكفي في السنة الأولى وفي السنة الثانية أن يركز التعليم على القراءة والكتابة والحساب والمحادثة وبعض الأنشطة الشفهية.

وحتى إذا أردنا إضافة الجانب الأخلاقي والديني فيؤخذ جانب بسيط من المعلومات ويلقن مشافهة وليس من الضروري أن تدمج في كتاب التلميذ.

ومن الأحسن أن تكون القراءة في كتاب مفصول عن كتاب الحساب، إذ ينبغي الإكثار من التمارين والرسوم الموضحة في الكتابين، كتاب القراءة، وكتاب الحساب.

مقالات ذات صلة