الرأي

ما الذي يحدث في وزارة التربية

عبد القادر فضيل
  • 9189
  • 32

أمور غريبة تحدث في هذه الأيام في وزارة التربية، لا يستطيع من يستخدم فكره أن يجد تفسيرا مقبولا لها ولا سببا وجيها لظهورها. هذه الأمور هي القرارات المفاجئة التي استمعنا إلى بعضها، التي تعتزم الوزيرة الإقدام على تنفيذها ضمن ما تفكر فيه في مجال تجديد المناهج، وإعادة النظر في الكتب ومراجعة أوضاع التعليم، تلك القرارات التي يجدها من يتأملها مجرد آراء لا تقوم على علم مدروس، ولا تسبقها دراسة ممهدة لها، شارحة لأهميتها، محددة للجوانب التي تفرض المراجعة والتجديد والتحيين. وما نلمسه في هذه القرارات هو تحمس الوزيرة لها، وحرصها على العمل بها، والانطلاق فيها من رؤية ذاتية، من غير أن تحدد المسوغ العلمي الذي تقوم عليه والمحيط الفكري المهيئ لها، والشارح للأهداف التي تتوخاها.

 كان المفروض ألا يفاجأ الناس المهتمون بالتربية بهذه القرارات التي لا تحمل معها الروح المطمئنة. فما تريده الوزارة من هذه الإجراءات المترجمة لأهم القرارات أن تمسح وتلغي واقعا تعليميا قائما بمناهجه وكتبه، وتعوضه بواقع جديد لا نعرف حقيقته ولا نطمئن إلى الصورة التي سيكون عليها. هذا ما ورد في القرار الذي ينص على أن المناهج المنصوص عليها تلغي وتعوض المناهج الجاري بها العمل (المناهج القائمة). ويعني هذا أن المناهج المطبقة غير صالحة في رأي القائمين على هذا التجديد وكون الهدف من الإصلاح والمراجعة هو إلغاء المناهج والكتب القائمة وتعويضها بمناهج وكتب جديدة من غير أن يكون ذلك قائما على ما أفرزته فرق البحث، وما استخلصته لجنة المناهج من توجهات المجتمع وتطلعات الأمة يعني هذا أننا نطرح فلسفة جديدة للتعليم لأن المناهج والكتب هي التي تترجم هذه الفلسفة، وهي التي تعبر عن قيم الأمة ونظرتها إلى الحياة وهي التي تحدد الصفات الأساسية التي يجب أن يكون على أساسها المواطن – ويرقّى المجتمع. وحين نحذف أو نلغي ما هو قائم فمن يضمن لنا أننا نأتي بمناهج يكون مستواها ملائما، ومحققا لما هدفنا إليه ومسايرا للفلسفة التي توجه حياتنا؟

ولهذا اعتبرت هذه القرارات من الأمور الغريبة التي يعيشها قطاع التربية في الآونة الأخيرة. كان بالإمكان قبل أن تعلن عن القرار الذي تود تنفيذه أن تعرض الأفكار التي تريد تصحيحها أو تعويضها على المهتمين بالمدرسة وبقضايا التربية والعاملين في الميدان من خلال اللقاءات التربوية التي تنظم لهذا الغرض لأن التربية سياسة أمة وليست سياسة قطاع ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزيرة، ومن ثم لا يجوز أن تترك أمورها لاجتهادات المجتهدين، بل لا بد أن يكون للمسؤولين في هرم الدولة موقف يحدد للقائمين على التربية الوجهة السياسية التي يجب أن تتبع وتحترم، في مجال تسيير القطاع، ومن أجل ذلك انتقدنا عمل الوزارة حين لم توضح ما يجب توضيحه وتشرك المهتمين بالموضوع في إبداء الرأي، والتوضيح يستوجب من المسؤولين القائمين على سير التعليم أن يحددوا دواعي الإعلان عن التفكير في تغيير المناهج وتحديد الكتب ويوضحوا حقيقة المضمون الذي تتجه إليه المراجعة، ويشرحوا ما يرونه أمرا ضروريا للتعجيل بدراسته.

ويظهر جانب الغرابة في هذه الإجراءات وفي القرارات في أن الوزيرة لم تطرح الموضوع فيما سبق ثم إنها بهذه الإعلان الذي فاجأت به الجميع حصرت تاريخ إنجاز ما تدعو إليه في ظرف مستعجل وقصير، وفي موعد قريب هو الموسم الدراسي المقبل. ولا أظن أن هذا أمر يمكن تحقيقه في هذا الموعد، لذا لا بد من التفكير في تأجيله إلى المواسم الدراسية الأخرى حتى يتاح للوزارة عرض الأفكار على الخبراء والمختصين ليناقشوها ويراجعوها وقد يلتجئون إلى وضعها موضع التجربة في بعض الأقسام حتى يتجنبوا كل الإشكالات التي قد تواجه العاملين في الميدان وبعد التجربة تظهر الصعوبات وتظهر الأخطاء، وعلى أساس ذلك تتم المراجعة النهائية وتهيأ الظروف الملائمة للتنفيذ.

تحدث هذه الأمور وغيرها ونحن في عهد يسيره العلم وينظمه التخطيط وتحدد آفاقه شبكات التواصل ووسائل البحث. فالتصرفات التي نراها في تسيير برامج الوزارة ومنها هذه القرارات التي فاجأت كل المهتمين بالتربية هذه التصرفات توضح قلة التفكير والتخطيط وتغليب أسلوب السير العشوائي الذي يؤدي في معظم الحالات إلى الفوضى، لذا ترى هذه الأيام جانبا من الفوضى يعم مجالات التسيير ويمس المحاور والعناصر التي تقدم عليها أركان المدرسة.

والعمل وفق هذا السير العشوائي يكرس أسلوب الارتجال في اتخاذ المواقف والقرارات، وهذا يسيء إلى واقع نظام التربية ويحط من سمعة الوزارة، فالمتتبع (لواقع سير النظام عندنا يلمس هذه التصرفات التي لا تقوم على تخطيط علم مدروس ويتبين المواقف التي يقفها المسؤولون من بعض المسائل الحساسة التي لا يحكمون فيها المنطق، وإنما يخضعون فيها لقناعتهم الذاتية وآرائهم الخاصة، وهذا ما عشناه ونعيشه في السنوات الأخيرة والموقف الذي عشناه في الصيف الماضي مع الأفكار التي طرحتها الوزيرة ومن معها بخصوص مسألة اللهجات الدارجة حين دعوا إلى اعتمادها في التعليم موقف يؤكد أن المسؤولين في الوزارة لا يستمعون إلى العقل ولا يسايرون المنطق ولا يراعون ما يطابق إرادة الأمة، فهم بمواقفهم هذه يبتعدون عن العلم ويتجاهلون المنطق ويتجاوزون الاتجاه الوطني الذي يفرض على المسؤول أن يكون تفكيره علميا ووطنيا.

إن الغموض الذي يحيط بطبيعة القرارات التي توظف لتسيير شؤون المدرسة هو الذي جعل الناس قلقين على أوضاع التعليم وغير واثقين من صدق ما تدعو إليه هذه القرارات وهو الأمر الذي جعل المتتبعين للسير المدرسي لا يطمئنون على سلامة السير وصحة الأداء، والسبب هو أننا كثيرا ما نعلن عن بعض المشاريع والقرارات ولكن لا نمكن المعنيين والمتابعين من معرفة حقيقة ما ننوي القيام به ونعرف بالأسباب التي تدعو إلى ذلك. هذا وإن العناصر التي تعنيها القرارات المفاجئة التي جعلتها الوزيرة منطلقا لمشروع المراجعة والإصلاح التي لا بد من التعليق عليها ومناقشتها هي العناصر التالية:

1 – المراجعة التي تفكر فيها الوزارة التي حددت الوجهة التي تتخذها من خلال تجديد المناهج ومراجعة الكتب وهو الموضوع الذي طرحته ضمن إطار إصلاح الجيل الثاني.

2 – المستوى الدراسي المحدد لهذه المراجعة: بعض سنوات التعليم الإلزامي (الأولى والثانية من المرحة الابتدائية والسنة الأولى من مرحلة التعليم المتوسط) هذا المستوى تراجع مناهجه وتجدد كتبه.

3 – الإشكال الذي يطرحه مصطلح الجيل الثاني (يحدد الجيل ويناقش)

هذه النقاط هي مضمون ما تفكر فيه الوزارة وتناولها يستوجب أن نقف معها ونستعرض محتوياتها ونناقش ما تثيره من قضايا ونحاول تبيان الصعاب التي قد تواجه التطبيق والأخطاء التي قد يجرنا إليها الارتجال والاستعجال ويفرض تناول هذه النقاط أن نوضح للمسؤولين أن الوزيرة بهذه المواقف تجاوزت الحدود التي يجب أن تلتزم بها. 

مقالات ذات صلة