-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما الفائدة من الكلام؟

ما الفائدة من الكلام؟

لم نسمع في التاريخ عن معارض سياسي يطلب من رئيس الدولة أن يتكلّم، ومع ذلك قالتها رئيسة حزب العمال، السيدة لويزة حنون، ليس من أجل التمتع بصوت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي سكت عن الكلام المباح، منذ مقولته الشهيرة عن “الجنان اللّي طاب”، وإنما من أجل إسكات الذين يتكلمون في مكانه، ومنهم السيد عمار سعداني الذي صرنا نشك بأن الرئيس قد ورّثه.. ونحن لا نعلم.

يقال إن السيدة لويزة حنون، خرّيجة المدرسة الماركسية والتروتسكية، وكارل ماركس نفسه، عندما بعث نظرية المادية الجدلية أو دولة العمال، كان كلما سُئل عن شيء ما، يردّ بسرعة: “انتظروني في عمل مادي سيكون أصدق من كلامي”، وليون تروتسكي نفسه، عندما أسّس الجيش الأحمر وأطلق نظرية الثورة الدائمة، كان يقول: “عليكم بالثورة العملية الدائمة واتركوا الكلام إذا أردتم النجاح”، وبالتأكيد تحفظ اسلسيدة لويزة حنون الجامعية بيت شعر أبي تمام: “السيف أصدق إنباء من الكتب”، وتعلم أن سعداني قال، وهي قالت، ولو قال الرئيس، فسنبقى في سوق “نسوان ورجال” أكدنا فيه دائما أننا منتجون للعاب وليس لشيء آخر.

كان هواري بومدين يلقي خطاباته، وفي اليوم الموالي، يطل علينا ناشر أخبار الثامنة مساء، من على شاشة التلفزيون لـ”يبشرنا” بإعادة بث الخطاب كاملا بسبب طلبات المتفرجين الملحّة، وليس المستمعين، وكان الرئيس الشاذلي بن جديد يلقي خطاباته، وفي اليوم الموالي، تنتشر فلول وجحافل الحزب العتيد في المدن والقرى “بأموال الشعب” لشرح الخطاب للشعب، وباشر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عهدته الرئاسية الأولى، بسيل عرمرم من الخطابات التي جرفت المسلسلات، وحتى المقابلات الكروية من شاشة القناة التلفزيونية الوحيد، إلى درجة أنه في حفل عشاء أقامه على شرف الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، عام 2001، تناول الكلمة بدل الطعام، وخطب لمدة ساعتين، حتى كاد “الهارب” أن يهرب قبل موعد هروبه الشهير.

المتكلّمون هم دائما هواة سماع كلام الآخرين وخطاباتهم، والسيدة لويزة حنون تكلّمت من أجل أن يتكلم الرئيس، ليرد على المتكلمين، ولو علمت بأن غالبية الشعب لم يسمع كلام المتكلمين وكلامها عنهم، لعادت إلى النظريات الماركسية والتروتسكية التي تطالب بالفعل وتنبذ الكلام، لأن البلد في حاجة إلى الفعل، وليس إلى الكلام، وسيشهد التاريخ أن رئيس الجمهورية هو أكثر الرؤساء خطابة، وأيضا فصاحة في تاريخ الجزائر، سواء باللغة العربية أو الفرنسية، وسيشهد أيضا أن السيدة لويزة حنون كانت ظاهرة صوتية بامتياز، قالت وأحسنت في كثير من الأحيان، وأخطأت في أحيان أخرى، وفي الحالتين كان كلامها مثل الشَهد شكلا، ولكن حرارة الأحداث أذابته وبخرته فصار نسيا منسيا.

نعلم أن رئيسة حزب “العمال” وليس “المتكلمين”، أرادت كلاما معنويا من الرئيس يخصّها هي، حول ترشحه لعهدة رابعة من عدمه، حتى تضع نفسها في رواق السباق، إما كأرنب كالعادة، أو كمنافس حقيقي على مقعد الرئاسة، لكن عامة الشعب ما عاد يهمّهم الكلام ـ الذي غاب عن فضيحة سوناطراك ومأساة تيغنتورين ـ حتى ولو تعلق بكرسي القمة، لأن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد في حاجة إلى عمل… وفقط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!