-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" رصدت معاناتهم في أقصى موسم شتاء منذ 20 عاما

متشردون بين مطرقة البرد وسندان كورونا

وهيبة سليماني
  • 865
  • 0
متشردون بين مطرقة البرد وسندان كورونا
الشروق

يواجهون خطر الظلام، ووباء كورونا، ويجاهدون الهموم والجوع، ويصارعون قساوة الشتاء.. هي وضعية مأساوية للمتشردين الذين تزايدت معاناتهم مع موجة برد اجتاحت أغلب المدن الجزائرية، مصحوبة بالأمطار والصقيع والثلوج لعدة أيام.

طواهري: أغلب المتشردين يهربون من مراكز الإيواء

وطبع الواقع المرير يوميات وليالي هؤلاء المتشردين، مع بداية شتاء يؤكد المختصون أنه الأشد برودة وتساقطا منذ 20سنة، حيث لا سقف ولا طعام ولا حماية من فيروس كورونا الذي تزداد خطورته يوما بعد يوم، فهم إلى جانب مواجهتهم مصيرا مجهولا، فإن الليل البارد والممطر يهدّدهم بالموت.

متشردون يواجهون برد الشتاء بـ”الكارتون”
“الشارع لا يأتي بالخير” هكذا اختصرت سيدة أربعينية معاناتها كانت تفترش الكرتون وتلّف حولها بطانية مهترئة ومغبرة رفقة طفليها، بنبرة يأس وألم، حيث اختارت عتبة مدخل مقر بنك غير بعيد عن مجلس الأمة بالجزائر العاصمة،حيث تعد واحدة من ضمن عشرات المتشردين الذين احتضنتهم الأزقة والحدائق العمومية بعد أن ضاقت بهم الحياة.. يقضون لياليهم الباردة دون مأوى ويتّخذون من مداخل العمارات والممرات المغطاة، وبعض محطات الحافلات، والأماكن المتوفرة على أوقية، مخبأ لهم من المطر الغزير، حيث شكلوا ديكورا ملفتا للانتباه في الجزائر الوسطى.

بن حبيلس: قضية المتشردين أخلاقية ولا تحل بالوجبات الساخنة

ومن خلال جولة ميدانية ليلية لجريدة “الشروق” في الجزائر الوسطى، تم الوقوف على مشاهد المتشردين النائمين على الأرض، وأثقال الأفرشة فوق ظهورهم، وأطفال يلعبون بالقرب منهم في وضعية كارثية تثير الشفقة، خاصة أنّ البرد كان يتسرب بقساوته إلى العظم في أجساد كانت تمشي وتتسارع لدخول بيوت يسودها الدفء والألفة العائلية، فما بالك بأجساد مضطرة اضطرارا للبقاء تحت رحمة هذا البرد!
وقد جلس كهل على السلالم الإسمنتية بالقرب من البريد المركزي، وهو يضع كفيه على فمه، محاولا أن يبعث فيهما نفسا دافئا، فرغم اقترابنا منه، لم يبالي بنا، وكأنه يعيش عالما بعيدا عن عالم كل من حوله، لكننا تمكنا من اختراق صمته، والتحدث إليه، لنكتشف أنه متشرد منذ 15سنة، وأنه مجهول النسب طرد بعد بلوغه 18سنة من بيت العائلة التي تكفلت بتربيته.
وفي شارع ديدوش مراد الراقي في العاصمة، تفترش فئة المتشردين الكرتون، وأجسادهم ترتعش من البرد، حيث يسمع أنينهم كلما زاد الصمت وخلت الشوارع من المارة، وهنا وجدنا السيدة مليكة، وقد أحاطت نفسها برزم ألبسة وأفرشة بالية، وأوان جديدة، قالت لنا إنها لم تحتمل البقاء يوما في دور العجزة، وإنها لم تتزوج قط في حياتها وقد وجدت نفسها في الشارع بعد أن باع شقيقها الأكبر البيت الذي كان يؤويها رفقة شقيقة لها توفيت منذ سنوات.
وفي جهة مقابلة لها، جلس كهل رفقة زوجته، و3 أطفال، قال لنا إنهم ينحدرون من ولاية مسيلة، وأنهم لم يعودوا قادرين على دفع تكاليف كراء شقة، وإن قدومهم إلى العاصمة فرصة للربح من التسول، وهذا بعد طردهم من المنزل الذي اتضح أنه ليس ملكا لوالده.
وعن وضع أبنائه الأطفال الذين لا يتجاوز أكبرهم، حسبما كان يبدو، السبع سنوات، أكد أنه يتركهم في غالب الأوقات في بيت قريب له يقطن في ضواحي العاصمة، غير أنه يفضل البقاء هو وزوجته في الشارع رافضا أن يكون عالة على قريبه، حيث ينتظر بشغف منحه سكنا اجتماعيا.

مجهولو النسب والمطلّقات والمسنون والمجانين.. أكثر الفئات المتشردة
والمعاناة الحقيقية لفئة احتلت شوارع في العاصمة، لطالما كانت وجهة سياحية يزورها الأجانب، وتحولت مؤخرا، إلى أماكن تحملت قصص أليمة ومحزنة للمتشردين الذين جاؤوا إليها من كل فج عميق، أكثرهم من فئة مجهولي النسب والمطلقات وكبار السن، والمختلين عقليا، الذين هرب بعضهم من مراكز الإسعاف الاجتماعي ودور العجزة لاحتراف التسول، فيما يخاطر آخرون بحياتهم وحياة أطفالهم للظفر بسكن اجتماعي، حسب ما رصدناه خلال جولتنا الاستطلاعية.
ويغير هؤلاء المتشردون أماكن النوم ليلا، وذلك حسب الظروف والمناخ ويتشكل بعضهم ضمن مجموعات للدفاع عن بعضهم البعض في حال تعرضهم للخطر أو الاعتداء من الغرباء.

متشردون مجانين يثيرون رعب المارة
وقد أدى التزايد الملحوظ في عدد المتشردين، خاصة في كبريات المدن الجزائرية، مثل العاصمة، إلى بروز الكثير من المؤشرات التي تنذر بخطورة الظاهرة، وأثار وجود هؤلاء في بعض الأماكن، خوف المارة وخاصة الذين يتجولون ليلا، أو يتأخرون في الدخول إلى بيوتهم، حيث يتوقعون في أي لحظة الاعتداء عليهم من طرف أحد المتشردين، الذين اختلطوا بين المختلين عقليا والمنحرفين ومتعاطي المخدرات والخمور.
ودعا بعض المواطنين الذين اقتربت منه جريدة “الشروق” في وسط العاصمة، لمعرفة انطباعهم حول ظاهرة التشرد في ظل موجة بارد غير مسبوقة، إلى ضرورة الرقابة والتكفل بالأشخاص دون مأوى، مؤكدين أن أماكن في الجزائر الوسطى مثل بور سعيد، وساحة الشهداء، والأزقة القريبة من محكمة سيدي أمحمد، أصبحت تثير مخاوفهم بمجرد أن يحل الظلام، وهذا بسبب وجود عشرات المتشردين من مختلف الفئات والأعمار وهم في الغالب يتصفون بسلوك عدواني وعنيف.
وقال أحد القاطنين في شارع العربي بن مهيدي بقلب العاصمة، إن اتساع رقعة المتشردين وتنوعهم جعل فئة منهم مهمشة ومهملة وهم من الذين يواجهون مرارة المشاكل والهموم في صمت، كما أن بعضهم حسبه، ليس لديهم الخيار إلا قضاء ليلة باردة في العراء وتحت المطر، وأن الوضع أصبح يستدعي تدخل السلطات المعنية، حفاظا على حياة هؤلاء من جهة، وعلى منظر العاصمة وأمنها.

تطبيق إلكتروني للتبليغ عن الأشخاص دون مأوى
وتفرض المرحلة الحالية بما تحمله من تقلبات جوية وانخفاض في درجات الحرارة، وتصاعد مخاوف عدوى فيروس كورونا في الموجة الرابعة للوباء، ضرورة رعاية المتشردين والحد من ظاهرة انتشارهم في الشوارع.
وفي هذا السياق كشف ممثل وزارة التضامن، رشيد طواهري، أنّ التكفل بالأشخاص المتشردين في الشوارع، يكون عن طريق حملات الإيواء التي تقوم بها الوزارة منذ سنوات، موضحا أن هذه الأخيرة لم تضع برنامجا خاصة لهذه الفئة، هذه السنة، رغم المستجدات المتعلقة بالمناخ ووباء كورونا.
وتم استحداث أرضية رقمية تحمل اسم “التضامن الوطني يصغي” من أجل التبليغ عن الأشخاص المسنين في وضع صعب، والأشخاص بدون مأوى، وتقديم استشارات أسرية، وخصصت هذه الأرضية أيضا لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة، ومن خلالها يمكن للمواطن فتح حساب إلكتروني خاص به على هذه المنصة، يسمح له بتسجيل ومتابعة طلباته وتلقي الرد عليها بعد معالجتها من طرف مصالح مديرية النشاط الاجتماعي للولاية التي يقيم بها.
ودعا طواهري كل المواطنين، إلى زيارة الموقع الالكتروني لوزارة التضامن، والتبليغ عن طريق تطبيق خاص، عن كل شخص يعيش بدون مأوى خلال ليالي البرد، حيث تعمل كل المديريات الجهوية للنشاط الاجتماعي التابعة للوزارة على رصد وضع المتشردين، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية، وإيواء هؤلاء وتقديم وجبات ساخنة لهم.
وعزّزت وزارة التضامن الوطني قدراتها الاستيعابية بفتح 3 مراكز إيواء لاستقبال الأشخاص دون مأوى على مستوى العاصمة، في كل من بلوغين والرويبة والمدنية، إلى جانب الحملات التطوعية لبعض الجمعيات الخيرية، والهلال الأحمر الجزائري.

متشرّدون يهربون من مراكز الإيواء ويفضّلون التسوّل
وأكّد رشيد طواهري أنّ ظاهرة تشرد عائلات بأكملها ليست جديدة، ولكن واقع التشرد في الجزائر يزداد تعقيدا، ويصعب التحكم فيه، والحل اليوم هو التبليغ عن طريق التطبيق الإلكتروني، وخاصة أن الكثير من المتشردين يغيرون أماكنهم، مما يعرقل تقديم المساعدة لهم من طرف السلطات المسؤولة.
ويرى ممثل وزارة التضامن، رشيد طواهري، بأن الكثير من المتشردين يهربون من مراكز الإسعاف الاجتماعي، حيث يشعرون بتقييد حريتهم من خلال فرض توقيت للدخول والخروج، وأن الحرية اليومية التي يعيشونها حسبه، وخاصة في الفضاء المفتوح، جعلتهم لا يتحملون العيش وفق نظام معيّن.
ويكون التسول، حسب طواهري، من أسباب الهروب من مراكز الإسعاف الاجتماعي، كما أن أغلب هؤلاء مختلين عقليا، لا يمكن السيطرة عليهم، علاوة على أن بعضهم يبحثون عن سكنات اجتماعية، ويريدون لفت انتباه السلطات المحلية بتواجدهم في الشارع.

قضية المتشردين لا تحل بالبطانيات والوجبات الساخنة
وفي هذا الموضوع، أكدت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، أن تقديم الوجبات الساخنة، والأفرشة للمتشردين، ليس حلا نهائيا، يمكن من خلاله تفريغ الشوارع من هذه الفئة الاجتماعية الهشة، حيث لا يجب حسبها، النظر للقضية من منطلق سياسي.
وأوضحت بن حبيلس، أنّ التخلي عن العادات والتقاليد، وتجاهل الجيرة والقرابة، مشاكل أخلاقية وراء تواجد عائلات في العراء، وأن وزارة الشؤون الدينية، مدعوة، حسبها، لمعالجة مثل هكذا ظواهر، وذلك بإشراك بعض القطاعات والفاعلين في العمل الخيري مثل الهلال الأحمر الجزائري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!