متى يُحاكَم ابنُ الأكرمين؟
أجمعت اعترافات مسؤولي سوناطراك الذين يُحاكَمون هذه الأيام، على أنهم كانوا مجرد منفذين لأوامر الوزير الأسبق شكيب خليل، بإبرام صفقاتٍ مخالِفة للقانون مع شركات أجنبية، وأنه كان يتوعد المتردّدين منهم بعقوبات قاسية تصل إلى درجة الطرد من العمل، ما جعلهم يستسلمون له ويوقعونها تحت الضغط..
الاعترافات كلها تحمِّل الوزير شكيب المسؤولية الأولى في إبرام تلك الصفقات المخالِفة للقانون، وهو ما يعني، بوضوح تام، أنه هو المتّهم الأول ويجب أن يُحاكَم قبلهم.. لكن ما يلاحظه الجميع حاليا هو أن المحاكمة تقتصر على مجموعة من المسؤولين السابقين، وكأن هناك إرادة لتقديمهم إلى الرأي العام على أنهم هم وحدهم المسؤولون عن فضيحة سوناطراك 1، ومن ثم تقديمهم ككباش فداء وإغلاق ملف القضية.
شكيب خليل متهمٌ بتلقي رشوة بقيمة 198 مليون دولار من شركة سايبام الإيطالية، أي ما يعادل 2300 مليار سنتيم في السوق السوداء للعملات، وقد أكد الجنرال توفيق مجددا هذه المعلومة منذ أسابيع على لسان حسن عريبي، ومع ذلك لا يزال شكيب حرا طليقا، وليس هناك أي مؤشر لإصدار مذكرة توقيفٍ دولية لإيقافه وجلبه إلى العدالة الجزائرية، ولا حتى محاكمته غيابيا كمرحلة أولى كما جرى مع الخليفة؟!
الأسئلة التي تحيّر المواطنين هذه الأيام بشأن هذه القضية كثيرة ومنها: لماذا لم تُوجّه أي تهمة للوزير شكيب إلى حدّ الساعة؟ ولماذا اكتفت محكمة سيدي أمحمّد بإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه في 2013 والتي سرعان ما رُفضت دوليا لأنها ليست هي الجهة المختصة بإصدارها؟ ولماذا لم تقم المحكمة العليا بإصلاح “الخطأ” وإصدار المذكرة باعتبارها الجهة المختصّة؟ ولماذا تلتزم السلطة الصمت إزاء مسألة محاكمته برغم ثقل الاتهامات التي يوجهها إليه مرؤوسوه هذه الأيام فضلاً عن الاتهامات الموجهة إليه منذ انفجار القضية في 2010 إلى حدّ الساعة من جهاتٍ أجنبية وداخلية؟
ليس من المعقول إدانة سارق هاتفٍ محمول بخمس سنوات سجنا، في حين يُتهم وزيرٌ سابق بتقاضي رشوة تعادل 2300 مليار سنتيم دون أن يُتابَع قضائيا.. عدم توجيه أي تهمة للوزير شكيب، وعدم السعي إلى جلبه إلى العدالة كما حدث مع الخليفة، يكرّس الحكم السائد لدى الرأي العام بأن السلطة تحمي الرؤوس الكبيرة المتّهمة بالفساد، وتقوم فقط بتقديم كباش فداء من المسؤولين الصغار وطيّ الملفات في كل مرة، هذا معناه أن السلطة قد أصبحت بدورها في موضع اتهام خطير بالتغطية على المتهمين بالفساد، ويجعل حديثها عن بناء “دولة القانون”، وعن أن “القانون فوق الجميع” و”مكافحة الفساد”… مجرّد ضحكٍ على الذقون ولغة خشب ممجوجة لا يصدّقها حتى السذّج، وشعاراتٍ جوفاء كما كانت دائما.. وليس هناك ما يصحِّح هذا الوضع الذي يكرّس مشاعر التمييز و”الحقرة” والسخط والاحتقان في نفوس المواطنين، سوى جلب شكيب للمحاكمة، والكلمة الأخيرة تبقى للعدالة للرد على ما يوجّه له من تهم منذ عام 2010؛ فإذا كان شكيب “من أنظف الوزراء في الجزائر” كما يقول سعداني، فلتبرِّئه، وإذا كان مذنبا فلتحكُم عليه بما يستحق من عقاب.