-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مجرمو الطرقات.. متى تتوبون إلى الله؟

مجرمو الطرقات.. متى تتوبون إلى الله؟

أتدرون أيها القراء الأعزاء من هم مجرمو الطرقات؟ وما هي صفاتهم وحقيقتهم وسلوكاتهم وتصرفاتهم وأخلاقهم حتى استحقوا هذا اللقب والتوصيف الشنيع جدا؟ حتما ستجيبون من غير تفكير وبتلقائية ومباشرة وستتخيلون أنهم مجموع تلك العصابات الشبابية المنحرفة التي تحترف الأفعال الإجرامية البشعة في الطرقات ليلا أو نهارا..

والحقيقة هي غير هذا وذاك.. إن مجرمي الطرقات الذين أعنيهم بمقالي هذا، هم: مجموعنا نحن الذين نقود السيارات والعربات والمركبات النفعية والخاصة والعامة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة عبر كافة طرقات الوطن الجزائري الكبير.. ونفعل كل ما هو مخالف لتعاليم الدين وقانون المرور وحماية الطبيعة والبيئة وأخلاق الفرد الجزائري الأصيل..عدا نسبة قليلة منا فقط لا تستحق أن يُطلق عليها هذا التوصيف المجافي للفطرة الإنسانية السوية، لكونها ملتزمة ومنضبطة بما أمر به الله ورسوله وقانون المرور المدني في حق الطريق والمارة والمركبة والراكبين والراجلين والبيئة والطبيعة الجميلة وتهييج وإثارة الرعب في نفسيات الآخرين من الحركات والمناورات المخيفة والقاتلة.. التي يقوم بها الكبار والصغار معا، وسائقو المركبات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة أيضا، بما فيها سيارات النقل الجماعي والحافلات السريعة المجنونة.

وسينقسم القراء جراء هذا التعريف والتوصيف والحكم القاسي إلى فريقين، فريق يؤيد ويعترف بالجرم الذي يقترفه كل يوم أثناء قيادته لمركبته، وفريق يحتج ويعارض بقوة وبشدة، نافيا أن يكون مجرم طريق وسرعة ومفسد بيئة ومخرّب منجزات مادية.. ومع كل هذا، فإليكم بيان ذلك بالأدلة والبراهين التي ترونها وتعرفونها خلال قيادتكم لمركباتكم يوميا.

ولكن قبل هذا وذاك، أود فقط أن أتوسع في منح هذا المصطلح حقه المعرفي والدلالي من الضبط والشمول والتأرجح والتفاعل المجتمعي الحقيقي والواقعي.. فثمة مجرمون آخرون يسيرون على أقدامهم من المارة أو من قادة المركبات، فمنهم من لا يحترم إشارات المرور ويمر كيف ومتى وأين ومتى أراد؟ ومنهم من يقطع الشارع والمركبات تسير، ومنهم من يجتاز الطريق وئيدا بطيئا وهو يتكلم في الهاتف المنقول، وعليك أيها السائق أن تُضيع فرصة دقيقة المرور المسموحة لك من أجل هذا المواطن الفاقد لكل معاني المدنية والإنسانية والعيش المشترك.. ومنهم من حوَّلَ شوارع المدن إلى مزابل مفتوحة.. ومنهم من يلقي بكل فضلاته وقاذوراته حتى البصاق والنخام ومناديل المخاط والزكام، ومنهم من تفتح دونه النوافذ والأبواب ويُلفظ في الطريق على مرأى ومسمع من الكل.. وثمة من مجرمي الطرقات من النساء والأطفال الذين يسيرون بالعشرات وهم يرمون الفضلات والنفايات في الشوارع حتى تنسدّ مجاري المياه وتُغلق البالوعات بالفضلات والنفايات البشرية.. وثمة مجرمون آخرون يلقون بفضلاتهم من فوق العمارات، أو يركنونها أمام وداخل مداخل العمارات أو في الفضاءات والمتنزهات..

باختصار، نحن أصنافٌ شتى من المجرمين في حق الطريق والبيئة وأنفسنا وإخواننا ووطننا الجميل الذي استحال إلى مزبلة ومفرغة كبيرة ليس لها أول ولا آخر.. وليس لها حل جذري إلاّ بترك تدليل هذا المواطن الأرعن والكسول واللامبالي، وتحميله المسؤولية ومعاقبته بسلطان القانون، إن لم يرتدع بسلطان الدين أو العرف الاجتماعي.

أرأيتم أيها القراء الأعزاء أن إحصاء المجرمين في بلادنا غير ممكن البتة، لأننا لم نعد نصلح لشيء إلاّ افتعال الأزمات والطوابير والحديث عن الندرة، ولو كان المواطنُ واعيا ومحترما وكائنا استهلاكيا منضبطا ومُقننا لكل شيء لما ارتمى من أزمة إلى أزمة ومن طابور إلى طابور.. من أزمة الحليب فالسميد فاللحم الأبيض فالزيت فالبطاطا.. والله أعلم بما يُخطط له الأعداء ويبيتوه لنا جراء انعدام التربية الدينية والمدنية والأخلاقية الكافية لردع ودرء مكايد عصابات الداخل والخارج التي سرعان ما تستهدف هذا المواطن اللجوج الضجوج المتجاوب مع جهل وسوداوية الأزمات المصطنعة.

والآن نعود إلى موضوعنا بعد هذه الجولة في تحريك همم الخائرين.. إنه موضوع مجرمي الطرقات.. بمجرد أن يقترب موعد العطلة حتى أضع يدي على قلبي ألف مرة، وألهج بالدعوات والأذكار في الليل والناس نيام وفي بلج الإصباح وتنفس النهار أن يفكر أفراد الأسرة بالحديث عن قضاء أيام من العطلة في مدينة يشتهر طريقها بالحوادث المميتة، وكغيرهم من سائر البويتات الجزائرية يضعون برنامجا لزيارة مدينة آبائهم وأجدادهم مع زيارة مدينة أو مدينتين مشهورتين بحماماتها ومنتزهاتها أو آثارها ومعالمها التاريخية، وتبدأ المعاناة والمأساة المرعبة مع مختلف ترقيمات السيارات القادمة من مختلف الولايات بجنون.

وتبدأ عملية الإرعاب النفسي والوجداني من كل الفئات التي تقود المركبات، فالكل يخالف القانون، والكل لا يحترم قانون المرور، والكل لا ينضبط بعلامات وإشارات المرور الإرشادية أو الإلزامية، والكل لا يعير الانتباه للعلامات والإعلانات التوجيهية، حتى النصائح الإشهارية الكبيرة التي تحمل عبارة السياقة بسلام والعطلة الآمنة وخطورة السرعة وعواقب التهور الوخيمة.. لا تعني لهذا المواطن شيئا.. فلا خطا متواصلا محترم، ولا منعرجا خطيرا محتسب، ولا طريقا ضيقا محترم، ولا تجاوزا آمنا متبع، ولا صبر ولا توأدة ولا حِلْمَ ولا تريث.. ولا نظرة واعية لأولئك الأبناء والبنات الصغار الذين يركبون معك في السيارة، ولا احترام للزوجة أو الأم أو الجد والجدة، الذين يعانون من الخضخضة والعصر جراء جنون الشباب وحتى الكبار وهم مهووسون بحمى الاجتياز وسبق المركبات الأخرى ولو كلفهم ذلك حياتهم..

والكل مزهوّ ومفتخِر بقوة وعنفوان مركبته وهو يجتاز المنعرجات والخطوط المتواصلة، والكل منتشٍ بكثرة عدد أحصنة سيارته وهو يسرع أكثر من السرعة المحددة والمطلوبة، والكل يُلقي بالقارورات وكؤوس الشاي والقهوة والعبوّات الحديدية والأكياس البلاستيكية وفضلات الخضر والفواكه والطعام على قارعة الطريق، وبصلفٍ ورعونةٍ ولا مبالاة.. هذا حالنا في الطرقات.. وهذا حال الغالبية العظمى من مستعملي السيارات.. الذين لا يرهبون حتى من إشارات الرادار..

وحسب اطلاعي ومشاهدتي وطول مدة قيادتي لأكثر من عقدين من الزمن، ألاحظ أن لا أحد من قادة المركبات على اختلاف أعمارهم ونوعية مركباتهم  يخاف أو يرتدع أو يستحي إلا بالقرب من حواجز الدرك أو الشرطة فقط، والكل يتظاهر باحترام الإشارات والتمهُّل والإصغاء لتعليمات وإشارات الدرك، والحقيقة أسوأ من تظاهر أولئك المنافقين، فهم والله أسوأ مثال يُقدَّم للأبناء والزوجات على خطوط الطرق السريعة والضيقة.. وإن وُجد حاجزٌ للدرك في غير مضربه المعتاد  تجد الكل ينبه الكل، والكل يشير بالأضواء إلى مواضع ومواقع حواجز الدرك، حتى يخفّفوا من السرعة، ويتظاهروا بالقيادة الحسنة.. ودون إطالة فحالة سياقتنا مرعبة ومريعة ومخيفة.. والمشكلة أن القلة القليلة الملتزمة بقانون وإشارات وتعليمات المرور هي الفئة الضائعة والمتضايقة طيلة الطريق ولكنها هي الرابحة في النهاية.

وهذا للأسف الشديد غيضٌ من فيض.. وعلاجا لهذا المرض المميت الذي أدى إلى ارتفاع فاتورة الخسائر والضحايا والمعطوبين والمنكوسين والمعوقين.. يجب على السلطة أن تربي هذا الشعب تربية حسنة، وأن تتجه إلى تأديبه وتثقيفه وتهذيبه وتشذيبه وردعه.. والرقي بعقله وقلبه وروحه عبر وسائل التكوين والتربية والتعليم والمساجد والدعاية والرقابة الصارمة، لأن مشكلتنا ليست مادية أصلا، بل مشكلتنا انعدام التربية المتكاملة لدى الفرد الجزائري، فربُّوا هذا الشعب ترتاحوا في قيادته وتوجيهه والنهوض والرقيّ به، وغيّروا سياسة التعامل مع الأزمات بالاستجابة لمطالبه، فقد يظل يسير بكم هكذا إلى أن تعجز الدولة عن تلبية طلبات وأهواء ورغبات هذا الكائن الفاقد لروح وسلوك وأخلاق الإنسان المكرم الذي خلقه الله عزيزا مكرما (.. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم* ثم رددناه أسفل سافلين* إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون..)، فمتى يكون ذلك؟ ومتى يتوب مجرمو الطرقات؟ ومتى تردع السلطة هؤلاء المجرمين والمتهورين منهم؟ أللهم اشهد أني بلغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • ابن تومرت

    ومازالت الطرقات للأسف الشديد تحصد الارواح وتزهق الأنفس.. بسبب الغفلة وعدم الاعتبار ... وبسبب المتهورين من الشباب الجزائري المفسد في الارض.. أللهم اهدنا في من هديت وعافنا في من عافيت..

  • المتنبي

    بعد مجرمي الطرقات ظهر مجرمو الحرائق المهولة.. لا ندري ماذا ستزيدنا عبقرية الجزائري المفسد.. أللهم نصرك وسترك يا رب..

  • الناصح الأمين

    ظهر إجرام جديد في عالم السياقة.. سياقة مع هاتف نقال من قبل شرائح الشباب على وجه الخصوص.. وسرعة مفرطة جدا.. الله يسترنا من المتهورين

  • كاننا في زمن الطاغوت والطاعون والطامة

    يارب إن عظمت ذنوبي كثرة فقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم أدعوك ربي كما أمرت تضرعا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم مالي إليك وسيلة إلا الرجاء وجميل عفوك ثم إني مسلم الحمد لله الذي علا في توحده ودنى في تفرطه وجلى في سلطانه وعظم في اركانه واحاط بكل شيء علما وهو في مكانه كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ومن عليهم

  • ام نحن سعداء غافلون

    هل شق علينا تذكر الموت

  • لا اله الا الله

    ان امكن تستطيع عزاء الوالد رحمه الله لانني اقراته اياها والحمد لله

  • احمد

    احمد الروابط التي تكتب فيها ضع كلها هتا

  • احمد

    .....لماذا الناس هكذا

  • والباقي ربي يرحم

    فلا سعي الا سعي الاخرة وفقط.

  • يارب

    ما حال الطريق التي نذهب اليها ولا نعود

  • علي عبد الله الجزائري

    عقلية الجزائري تزداد تهور وهمجية مع كل تطور يشهده العالم نحو الايجاب تنعكس لدينا سلبا سواء في سياقة السيارات او احترام القوانين او الالتزام بالحجر والتعليمات الوقائية ثم يطالب الدولة باصلاح ما افسدته يداه بل ويتهم غيره بما اقترفه من جرائم ضد البيئة واعطاء الطريق حقه والتسبب في ازمات ندرة مواد استهلاكية لانه يفتقر لثقافة الاستهلاك يشتري ثم يشتكي من الغلاء هذه نقطة واحد لو ندخل في تفاصيلها سنكتب مجلدات لتحليل الفلسفة والعقلية الجزائري بخصوص نمط الاستهلاك وثقافته من عدمها في هذا الجانب وكثير من التصرفات والاعمال التي تبين ان الفرد الجزائري يتطور سلبا عكس تطور العالم وبشكل متهور وعنيف والاخطر من ذلك لا يقبل الترويض او التغيير للاحسن بل يعتبرها اهانه شخصية له قد تتطور لحرب واشتباك وتصفية حساب

  • مواطن

    أضيف صنفا آخر من المجرمين الى ما تفضلت به من أصناف المجرمين. صنف ينشط في ليالي الصيف في مواكب العرسان و بدونها يقودون الدراجات النارية ذات السعة العالية و المحركات القوية يصدرون بها هديرا كهدير الجامبو عند إقلاعها بتعمد و إلحاح و نشوة لا نظير لها لا يهمهم نوم نائم و لا شيخوخة كبير و لا مرض مريض و لا استراحة متعب و لا عفوة مسافر. هذا زيادة على أبواق السيارات و قرع الطبول و "زمير" المزامير. يذكرونني بموكب مشركي قريش في غزوة بدر في فيلم الرسالة غير أن هؤلاء لم يكونوا يزعجون أحدا فقد كانوا في النهار وسط الصحراء. نحن في جاهلية كما وصفها الشيخ الابراهيمي "جاهلية بدون أخلاق الجاهلية".

  • عبد الحميد

    فاقد الشيء لا يعطيه فحال السلطة كحال معظم الشعب لا تربية ولا دين إلا من رحم ربي سلطة تستقوي على الضعيف وتغلق المساجد تنتظر منها الإصلاح

  • بومبروك

    كلامك واقعي في مجتمع أغلبه هائج ومثار لا يردعه رادع بسبب تدني الوعي والخلق نتمنى ان نرجع للفطرة السليمة وهدوء النفس والطمأنينة !

  • سميرة. م

    ما ان قرات عنوان المقال حتى تمنيت ان يكون الموضوع عن سفاحي الطرق الذين ينشرون الرعب و الفزع على الطرقات...طرقات يغسلها دم الابرياء و تنتشر بها رائحة الموت التي تمتزج برائحة النفايات..نعم يجب ردع هؤلاء السفاحين الذين جعلوا مراكبهم الات موت تحصد ارواحا بريئة.. تيتم اطفالا و تحول من كان بالامس واقفا..شامخا كالجبل الى مقعد محطم ...لدي تجربة رعب من صيف ٢٠١٩ مع هؤلاء المجرمين الذين تكلمت عنهم..تجربة لن انساها ما حييت... شكرا لقلمكم الذي يظل سيفا حادا ..ناقلا لواقع رمادي يجب ان يلون بانامل متفائلة و صادقة..

  • جزائري

    للأسف سلوك مجرمي الطرقات لا يعبر سوى عن الذهنية التي يتميز بها الغالية العظمى من المواطنين، والتي جعلت من الجزائر ككل متخلفة في كل الميادين، وحسب رأيي الحل يتمثل في عقوبات صارمة وقاسية جدا حتى تعود الأمور لنصابها.

  • المقنع الكندي

    متى نتعظ ونحترم القوانين ونصل إلى مستوى الفرد المتحضر..

  • سهيلة خليف

    للأسف الشديد يااستاذنا على هذا الواقع المرير ونشكرك على كل ماتقدمه من نصح لهذا البلد الجميل الذي جعلوه مزبلة كبيرة ولعلهم يهتدون للطريق المستقيم حتى نصبح جدرينا بما أنعمه الله علينا من خيرات ونحافظ عليه من كيد الأعداء والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم