-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“مجلس الأمن”.. سيف أمريكا على رقاب الدول!

“مجلس الأمن”.. سيف أمريكا على رقاب الدول!

في 29 نوفمبر1947 صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وأخرى عربية، مع وضع القدس تحت نظام دولي وفق القرار 181، ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى اعترفت المنظمة بـ”دولة” الكيان الصهيوني في 14 ماي من العام الموالي، بينما لا تزال دولة فلسطين بعد 86 عاما حلمًا عربيّا مؤجَّلا.

إنّ وضع القضيتين الفلسطينية والصحراوية، كنموذج صارخ لتعطيل الهيئة الأممية، يؤكد تعامل الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الكبرى مع المنظمة، من موقع المهيمِن، من دون أدنى اعتبار لحقوق الآخرين، فقد تم اعتماد حق “الفيتو” للتحكم في عملها وكبح دورها المفترض لدعم حقوق الشعوب في التحرر.

لقد أخفق “مجلس الأمن” طيلة ثمانية عقود في اتخاذ أي قرار ملزِم يضع حدا لتجاوزات إسرائيل، أو إرغامها على إنجاز السلام المزعوم مع الفلسطينيين، لأنّ الولايات المتحدة جعلت “الفيتو” أهمَّ آليات تطويع قرارات الأمم المتحدة في إدارة الصراع، بل إنها الدولة الأكثر استخداما لهذا “الحق” بـ45 مرة في الفترة بين 1970 و1989، على سبيل المثال، لأجل مواجهة قرارات تصادم حمايتها لإسرائيل.

الوضعُ ذاته تعيشه قضية الصحراء الغربية العالقة طيلة 6 عقود، مع أنها لا تتطلب أكثر من إجراء استفتاء حرٍّ ونزيه، طبقا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1965 إلى الآن.

يحدث ذلك، في إطار تبادل الأدوار في عمليات ابتزاز وبيع وشراء من وراء الستار بمجلس الأمن، وفق مبدأ “أسكت عنّي هنا وأنا اسكت عنك هناك”، وهو تماما ما ينطبق على موقف فرنسا تجاه الصحراء الغربية لصالح المغرب وأمريكا ضد الفلسطينيين والعرب لصالح الكيان الصهيوني.

لقد عكست الأمم المتحدة منذ نشأتها شكل النظام الدولي المنبثق عن نتائج الحرب العالمية الثانية، ليظلَّ العالمُ محكومًا من قبل الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، أو مشلولا في حالة التناقض، وقد تشكّلت أساسًا وفق الرؤية الأمريكية، إذ كان إقرارُ الفيتو مطلبًا أمريكيًّا.

إن أمريكا لم تكتف بشلّ دور المنظمة عندما تتعارض مع مصالحها الحيوية في أي مكان، بل جعلتها في حالة تناقض بين ما تتبناه من أهداف ومبادئ أخلاقية وإنسانية وبين واقع الممارسة المكرِّس لهيمنة القوى الكبرى.

لقد شددت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على أنّ حفظ السلم والأمن الدوليين بمثابة الغاية الأساسية، لكنه ظلّ محكوما بمعايير فضفاضة تعطي للدول القوية القدرة على التأثير من خلال مراكزها، مثلما حصل أثناء التدخل العسكري بليبيا في 2011.

وفرضت الولايات المتحدة تفسيرات براغماتية تعسفيّة لميثاق المنظمة الأممية ومبادئها، لتستغلّ مثلا مبدأ “مشروعية الدفاع عن النفس”، وفق المادة 51، لتبرير الحروب الوقائية، والتغطية على احتلالها للدول.

كما وظفت مفهوم “الأمن الجماعي”، وفق المادتين 41 و42، للقيام بتدخلات قمعية ضد الدول “المارقة”، عبر تحالفات دولية أو حتى بمبادرة منفردة، مثلما فعلت في حروبها ضد كوبا وأفغانستان والعراق، بل إنّ الأمم المتحدة لم تشغلها أزمة في تاريخها مثل حرب الخليج الثانية عام 1990، إذ ظهرت في قمَّة نشاطها الدولي لتسويغ التحرك الأمريكي بذريعة تحرير الكويت، في حين تلاشى دورُها أمام الاحتلال الصهيوني، لأنّ المصلحة الأمريكية مختلفة جذريّا بين الموقفين.

من جهة أخرى، ظل مبدأ المساواة في السيادة حبرا على الورق، ويكفي أن الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن لها حق الاعتراض على أي قرار يتعارض مع مصالحها، بل إنها تنتهك سيادة دول أخرى بذريعة الحفاظ على السلم الدولي.

هذا الواقع المفروض بمنطق القوة يضع مستقبل الأمم المتحدة أمام سيناريوهين، وفق خبراء العلاقات الدولية، الأول أن تواجه مصير عصبة الأمم المتحدة نفسه، باندلاع حربٍ عالمية ثالثة ترسم خارطة دولية جديدة، ينتهي فيها دورها باختفاء قوى كبرى وظهور أخرى على مسرح الأحداث.

أما السيناريو الأرجح، فهو بقاء المنظمة معطلة سياسيّا، ليقتصر حضورها على الأبعاد الإنسانية والاغاثية والثقافية والاجتماعية، بينما تستمر عاجزة عن تحقيق الأمن والسلام العالميين، ما يفرض ضرورة إصلاحها، بتعديل الميثاق الأممي، لتتحرر من هيمنة القوى الكبرى.

وفي وقت تعرقل الإدارات الأمريكية المتعاقبة أي محاولات إصلاحية، للإبقاء على الأمم المتحدة في خدمة مصالح الرأسمالية العالمية بزعامتها، فإنّ الجزائر من الدول الرائدة في الدفاع عن إصلاح مجلس الأمن، باعتباره “ضرورة حتمية لتحقيق نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!