-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الكوتشينغ" والتنمية البشرية في الجزائر

مراكز لبيع “السعادة”.. فمن يشتري؟

ليلى مصلوب
  • 1639
  • 2
مراكز لبيع “السعادة”.. فمن يشتري؟
ح.م

انتشرت في السنوات الأخيرة مراكز التدريب وتلقين المهارات في الجزائر أو ما يطلق عليها اعتباطا “التنمية البشرية”، صاحبها إقبال كبير لفئات مختلفة من خريجي الجامعات وإطارات وأطباء وضباط ومهندسين لتلقي دورات تدريب لرفع المعنويات ومواجهة الناس وضغوط العمل، وغيرها من التخصصات التي نسمع عنها لأول مرة.

وتنشط هذه المراكز تحت شعارات مختلفة: كيف تصبح مليونيراً من الصفر؟ كيف تستخدم قوة عقلك الباطن في تحقيق الثروة؟ كيف تصبح رئيسا؟ كيف تبرمج دماغك؟ كيف تنجح؟ كيف تفجّر طاقاتك الداخلية؟ اكتشف ما تمتلكه من طاقات كامنة وقدرات مخبأة في داخلك…

هذه الدورات التدريبية باسعار مختلفة بين 30 الفا إلى 70 الف دينار، يتم من خلالها تلقين المتدربين كيف يحققون أهدافهم، وكيف يغيرون حياتهم نحو الأفضل، وكيف يحققون السعادة، أحلام كبرى قد لا تتحقق خلال عمر كامل، لكن يكفي الحضور لدورة من ثلاث ساعات حتى تحقق أحد هذه الأهداف أو على الأقل تخرج بمعنويات مرتفعة وأنت تحاول تغيير حياتك للأحسن، ففي إحدى الدورات التي حضرناها مع المدربة فاطمة بوطالب، سردت فيها قصة “حمّار” أي مربي الأحمرة كيف أصبح قائدا للجيوش، ثم أميرا، لأنه أراد ذلك..

يقصد الكثير من الجزائريين  دورات التدريب لسماع كلمات جميلة ترفع المعنويات وتنير طريقهم وتمنحهم الشجاعة وتبعد عنهم الخوف في اتخاذ القرارات، وعادة ما يحفظ المدربون الكثير من الجمل الجميلة والأحاديث والأمثلة، فهم يطالعون الكتب ويستدلون بالقرآن والسنة ويستميلون إليهم الناس بطرق الإقناع التي تعلموها على أيدي مدربين دوليين مثل طارق سويدان، وعن طريق مواقع الكترونية ومحرك البحث “غوغل” وأكاديمية الإبداع الخليجي للتدريب الالكتروني وبعض البرامج المستوردة من تركيا.

هذه التخصصات غير معترف بها أكاديميا في الجزائر، لكنها تطورت وتعددت من جلسات تلقين إلى جلسات للعلاج بالطاقة، والوخز، والنقر، وطرد الذكريات السيئة والعلاج عن طريق الحرية النفسية، في شكل سلسلة دورات علاجية أطلقتها المدربة الدولية أنيسة بلكوش التي تقول أن
“العلاج عن طريق الحرية النفسية وبحقول التفكير وتقنيات “تي ا ف تي” هي عبارة عن شيفرات عند عملها على أي مشكلة يفكر فيها المرء تزيل الاضطرابات في حقول التفكير”.

ومبدأ عمل هذه التقنية هو النقر على نقاط معينة في جسم الإنسان وهو يفكر في المشكلة فتختفي الاضطرابات، وهذه التقنيات تستخدم نفس الإحداثيات “المسارات” التي تستخدم في العلاج بالوخز بالإبر الصينية على حد شرح المدربة الدولية، وهي موجهة أيضا لعلاج المخاوف والعقد والذعر والتوتر والوسواس والاكتئاب والنظرة الدونية للذات والتعلق العاطفي المرضي “العشق” وغيرها من الأمراض والحالات النفسية المستعصية بما فيها الإدمان بكل أنواعه.

صراع المدربين والنفسانيين

يذكر أن مراكز التدريب في الأصل تعمل بسجل تجاري وهي غير معتمدة سواء من وزارة التعليم العالي او وزارة الصحة، ولها تخصصات غير معترف بها في الجزائر، وهو ما يعاب عليها، وقد تعرضت إلى انتقادات كبيرة من طرف الأطباء وعلماء النفس والأخصائيين الذين يتهمون القائمين عليها ببيع الوهم مقابل المال وإصدار شهادات غير معترف بها وينتحلون صفة الأطباء والمعالجين والنفسانيين، ولدى اتصالنا برئيس نقابة الأخصائيين الدكتور خالد كداد، قال للشروق العربي: “أتساءل، أين دور وزارة الداخلية، التعليم العالي، التربية الوطنية، الصحة العمومية، فهي معنية بمثل هده النشاطات؟ الوضع يذكرني بقضية زعيبط مع وزارة الصحة ووزارة التجارة عندما تقاذفت الوزارتان المسؤولية، وأنا سأتناول الموضوع من عدة جوانب:

أولا، الجانب القانوني: هل يكفي اعتماد من وزارة التجارة أن يعطي تغطية قانونية على نشاطات ذات طابع تكويني تعليمي؟

ثانيا، الجانب الأخلاقي: هل تراعي هده النشاطات الضوابط الأخلاقية في دوراتها، خاصة عندما تدعي أنها تهدف إلى تكوين مدربين في مدة زمنية وجيزة ليست لهم اي صلة ولا أدني دراية ولا أي قاعدة معرفية بمبادئ هدا الميدان خاصة، وميادين علم النفس عامة؟

ثالثا، هل يمكننا من الناحية القانونية اعتبار هؤلاء من يدخلون تحت طائلة إدعاء الصفة والمؤهل

عندما يقدمون مئات الشهادات يوميا مقابل مبالغ معتبرة وفي إطار الربح السريع إلى أشخاص يعتقدون فيما بعد أنهم أصبحوا مؤهلين لتقديم مساعدات لآخرين؟

من جانب وزارة الداخلية، هناك بعض من يسمون أنفسهم مدربين ينشطون باسم جمعيات محلية ووطنية لا يسمح اعتمادهم بمزاولة مثل هده النشاطات.

هناك نقطة أخرى متعلقة بعدم وجود مراسيم قانونية تتضمن مدونة أخلاقيات ممارسة علم النفس في الجزائر وتسمح بتأسيس مجلس لأخلاقيات المهنة يسمح بضبط الممارسات والمتابعة القضائية لكل المدعين، وأمام هدا الغياب تقع المسؤولية المباشرة على وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات التي من واجبها حماية المواطنين، لأن الأمر يتعلق بممارسات تبيع الوهم وتدعي أنها تحفظ الصحة العقلية والنفسية للمواطن.

مدير مركز “سي بي أس” يرد: فرويد وتايلور كانا عالمي نفس دون أن يعتمدهما احد؟

ردا على موقف النفسانيين من مراكز التدريب والتنمية البشرية، قال مدير مؤسسة “سي بي سي” الباحث في فلسفة التدريب، عزير منصوري للشروق العربي: “أولا، أوضح لكم بعض المفاهيم الأساسية كي يكون الطرح منهجيا وعميقا، ان التنمية البشرية هي مؤشرات ابتكرتها الأمم المتحدة منذ 1990 وتهدف إلى قياس رفاهية الشعوب وهي مؤشرات اقتصادية.

أما إذا كنا نتحدث على ما يسمى بالتدريب، فهو نقل مجموعة من الخبرات والمهارات الناجحة والمميزة بين الأفراد  المنظمات بهدف توسيع الإدراك وتنمية القدرات التنظيمية ورفع مستويات الأداء وهو ينقسم إلى قسمين/ التدريب المهاري والتحفيز، لكن للأسف أطلق عالمنا العربي التنمية البشرية على التدريب وهذا خطأ وجب تصحيحه.

الآن يمكنني الإجابة على سؤالكم: الكثير من الأخصائيين النفسيين يهاجمون التدريب ويقولون هو بيع للأوهام! طبعا، هذا الرأي لا يؤمن به جميع الأخصائيين النفسيين، لأن الكثير منهم اتجه إلى الدورات التدريبية ونقل الخبرات، قد يكون قول هؤلاء الأخصائيين الناقدين قولا نابعا من التنافس الاقتصادي، كون المدربين استطاعوا ان يسرحوا بين الإعلام والساحات والدورات، علما ان المدربين عبر العالم يملكون المال، يسافرون كثيرا، بينما لا يحقق الأخصائيون النفسيون الذين لا يحاضرون هذه النقلة الاقتصادية، وهذا السبب الفعلي الذي يحرك هذا النوع من الانتقادات وليس فقط التدريب وعلم النفس، فقد رفض الكثير من المحامين فكرة أن يدرج الوسيط الاجتماعي في قضايا الأسرة والطلاق الذي اقترحه الباحثون في علم الاجتماع بحجة ان هذه الفكرة سيئة ولكن الحقيقة هي قراءتهم للفرص التي قد تضيع في حال ما وجدت هذه الوساطة التي قد تقلل من أرباحهم في قضايا الاسرة التي تزداد في الآونة الأخيرة، كون الوسيط الاجتماعي سيقلل نسبة الطلاق.

ان التدريب بشكله الحديث انطلق من أمريكا التي هي من اكبر الدول المنتجة للمدربين، وقد انعكس على قوة اقتصادها وهيمنتها الدولية، وهو فكر حديث تتبناه السياسات والإدارات في الدول المتقدمة، بينما مازلنا نحن في واقعنا المتردي نقدم جهودا فقط للنقد والتشويه. من وجهة نظر اقتصادية: أما إذا كان التدريب بيعا للأوهام أم لا فتبقى هذه مسؤولية أخلاقية على عاتق المدرب و المتدرب، إذا كان المدرب يبيع الوهم والمتدرب يريد شراء الوهم، فلِم يتدخل الأخصائي النفساني في هذه البيعة المشروعة!

نحن المدربون إذا ما بعنا الخبرة والمهارة فهذا حق، وأما اذا ما بعنا زخرف القول فهذا باطل.

واعتقد ان هؤلاء الأخصائيين ليس لهم معرفة واسعة بالأنشطة القانونية، حيث تمنح وزارة التجارة ضمن السجل التجاري الحق في إنشاء شركة لتقديم الاستشارات وتقديم وصناعة برامج التكوين وأيضا تمكنهم من إنشاء مؤسسة لتنظيم التظاهرات الثقافية والعلمية.

فنحن نقدم نشاطا علميا وثقافيا واستشارات وهذا ضمن إطار قانوني تكفله النشاطات المنضوية للمركز الوطني للسجل التجاري وتراقبه مصالح الضرائب.

ليس معناه من تحصل على ليسانس علم النفس هو الوحيد المخول له بهذا العلم، وأصلا عالما النفس فرويد وتايلور لم يعتمدهما أحد، فهل يجب إلغاءهما من المناهج، لأنهما بدون اعتماد جامعي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • +++++++

    كيف تصبح مليونيراً من الصفر؟ كيف تستخدم قوة عقلك الباطن في تحقيق الثروة؟ كيف تصبح رئيسا؟ كيف تبرمج دماغك؟ كيف تنجح؟ كيف تفجّر طاقاتك الداخلية؟ ... إلخ من النجاحات !!!!!!!!
    السؤال هو: هل أصحاب مراكز التدريب تلك سبق و أن حققوا لأنفسهم تلك النجاحات ؟؟ .. إن كان لا فكيف، للفاشل أن يدرّب غيره على النجاح !! ؟؟ .. و إن كان نعم، أي أنهم حققوا الثروة و النفوذ .. إلخ، هل حينها حقا سيهتمون لأمر نجاح غيرهم ؟ و هل كانوا حينها ليبقوا في تلك الصنعة (تدريب غيرهم) ؟
    من الواضح أن الأمر الوحيد الذي نجحوا فيه هو تمكّنهم من إقتناص الأموال من جيوب أولاءك الهواة الباحثين عن التدريب.

  • الصح

    مراكز التدريب لتحايل على الناس المكتوب والحض والفقر والسعادة لا تباع ولا تشرى وماشي قفازا في هذ الدنيا كل واحد وسعده