-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسؤولون غير مسؤولين!

محمود بلحيمر
  • 4165
  • 0
مسؤولون غير مسؤولين!

حمى الكرة لا ينبغي أن تنسينا الأشياء الجدية. فما نشرته الصحافة الجزائرية في الأسابيع الأخيرة حول ملفات رشوة وسرقة للمال العام في قطاعات الأشغال العمومية والمحروقات ليست أخبارا من صنف المنوعات نتركها تمر مرور الكرام، إنها مؤشر على الخطورة القصوى التي وصلت إليها منظومتانا التسييرية والرقابية.

  • قبل أسابيع استفقنا على شيء مخيف؛ شركة “سوناطراك”، أي المؤسسة الوطنية للمحروقات، وهي في الحقيقة شريان الجزائر تتعرض للنهب، في انتظار أن تكشف العدالة عن حقيقة ما جرى. المثير للسخرية هو رد فعل وزير القطاع شكيب خليل، الذي لا يعلم شيئا مما يجري في قطاعه، تماما كما قال قبله ببضعة أشهر عمار غول، وزير الأشغال العمومية، لما توبع مدير ديوان وزارته بتهمة الرشوة. ينبغي أن نذكر أيضا أنه بنفس الإجابة جابه السيد مراد مدلسي، محكمة البليدة التي وقف أمامها كشاهد في فضيحة القرن “الخليفة” لما كان وزيرا للمالية، حيث قال آنذاك لم يكن ذكيا بالشكل الكافي كي يتفطن للتقرير الذي وصل مكتبه عن التجاوزات الخطيرة الخليفة. وكأن وزراءنا اتفقوا على كلمة واحدة!
  • نحن أمام مسؤولين غير مسؤولين. فمن غير المنطقي أن يكون الوزير جاهلا لكبريات الملفات التي تطبخ في دائرته الوزارية. ومن جانب ثان فإن الوزير، أي وزير، من المفروض أن يتحمل المسؤولية القانونية والسياسية لما يجري في قطاعه، وما أوصلنا إلى حالة التسيب هذه هي أننا دأبنا على إسناد مسؤوليات كبرى إلى أشخاص من دون أن يحاسبهم أحد على تسييرهم أو أن يشعروا أنهم مطالبون بتقديم الحساب للرأي العام أمام المؤسسات الرقابة للجمهورية.
  • ما تعيد إثارته قضيتا الفساد اللتان تمت الإشارة إليهما في الآونة الآخيرة في سوناطراك ووزارة الأشغال العمومية هي أن المنظومة الرقابية مخربة ولا تشتغل بصورة تؤمن مواردنا وسلامة المجموعة الوطنية. وهذه محصلة طبيعية لمنظومة الحكم بصفة عامة التي أفرطت القوى المهيمنة فيها في الحرص على تقوية مركزها وتوسيع نفوذها، وفي المقابل إضعاف المؤسسات الرقابية التي يمكن أن تلعب دور “كلاب حراسة” لمواجهة أي انحراف. لم يعد دور لا لإطارات المؤسسات كي تراجع وتنتقد وتراقب التسيير في أدق تفاصيله وتعيد توجيهه الوجهة الصحيحة، كما أن المؤسسات الأخرى كلجان التحقيق الداخلية والرقابة الأمنية، ومجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية والعدالة والبرلمان.. غُيبت وأضعفت إلى أن صارت لا يهابها أحد ولا تستطيع أن تلعب دورا وقائيا بداية.
  • هذا الوضع هو الذي أنتج فضيحة الخليفة وسلسلة البنوك الأخرى المنهارة، وقضية الشركة الجزائرية الأمريكية المختلطة “بي. أر. سي” وغيرها من الملفات التي كلفت الخزينة العمومية الملايير، ونفس الأرضية مرشحة لتنتج حالات مشابهة في المستقبل، لأن المنظومة الرقابية عاطلة وهي في الحقيقة عرضة لإعطاب متعمد. فعندما يعلم اللصوص أنه لا يوجد حارس للدار فإنهم سيسطون على كل ما غلى ثمنه وثقل حمله في هدوء وطمئنينة لأنهم يدركون أنه لن يلحق بهم أحد، فالسارق يشعر وكأنه محمي وفي أمن وأمان تماما، وهذا للأسف الشديد ما يحصل في الجزائر.
  • فالخطاب الرسمي عن مكافحة الرشوة يبقى مجرد كلام لأنه لم يتبع بأدوات تنفيذية تتمثل في بناء مؤسسات رقابية وقانونية مستقلة حقيقة ويهابها الجميع، وهذه المؤسسات لن تأتي في الظرف الراهن لأن السلطة تريد الحكم من دون سلطة مضادة أو رقيب.
  • ما هو غريب هو أن تمر ملفات الرشوة الخطيرة التي تنشرها الصحف مرور الكرام من دون أن تثير ردة فعل حقيقية سواء من جانب المؤسسات السياسية الرسمية وغير الرسمية؛ البرلمان الأحزاب الجمعيات.. وكأننا أمام حدث من المنوعات نقل في شريط الأخبار السريعة إلى جانب أخبار أخرى كإصابة أبقار الخروب مثلا بالحمى المالطية! لقد كانت الصحف تكتب يوميا عناوين بالبنط العريض عن سرقة آلاف الملايير هنا وتحويل آلاف أخرى هناك، وتكررت الوقائع من هذا الصنف حتى صارت أخبارا مألوفة وباهتة مثل سرقة دجاجة أو هاتف نقال، علما أن سارقي الهاتف النقال يعاقبون بقساوة مقارنة بمن يسرق الملايير.
  • من جانب ثان، ينبغي أن نلاحظ أن ملفات الفساد والرشوة تظهر بصفة دورية بشكل يوحي أن الأمر فيه تدبير وإلا لما سربت تلك المعلومات المفصلة للصحافة التي يصعب عليها الوصول إليها في الأيام الأخرى. العديد من المراقبين يرجعون ذلك إلى صراعات سياسية ومحاولات أطراف تصفية حساباتها مع أخرى وإلا ما ظهرت تلك الملفات إلى العلن. وهذا يؤشر على استعصاء الفساد والرشوة وتجذرهما أكثر من وجود إرادة حقيقية ومنهجية لمكافحتهما؛ فبدلا من العمل على الاجتثاث الجذري للفساد أبقي كمادة للصراع السياسي ومن أجل النفوذ.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!