-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسلسل الاستهلاك واستهلاك المسلسلات

عمار يزلي
  • 409
  • 0
مسلسل الاستهلاك واستهلاك المسلسلات

ارتبط اجتماعيا شهر رمضان المعظم في الأوطان العربية والإسلامية منذ مدة غير قصيرة بالاستهلاك في رمضان على نحو لافت، خلافا للأصل والغرض من الصيام. هذه المشكلة، نجدها قد حدثت في كل المواسم والأعياد حتى في الغرب، بل هي البادية بذلك، عندما حوّلت الرأسمالية النامية ثم المتطورة ثم المتغولة كل شيء إلى سوق ورواج سلعي وجعلت من المقدس وأيام التقديس والأعياد والشهور، عنوانا ضخما للاستهلاك في كل المجالات. وهذا ما نلمسه في حفلات الغرب المخلِّدة لأعياد دينية بمن فيها أعياد رأس السنة المسيحية وعيد ميلاد المسيح “الكريسمس”، وباقي الحفلات والمناسبات الدينية.

التخلِّي عن المقدَّس لصالح المدنَّس، ظاهرة عالمية، تبدأ مع نمو المُتع المادية والتحضّر والابتعاد عن نمط العيش البدوي الريفي البدائي، الذي كان يفرض تقشفا ناتجا عن شظف العيش.

هكذا، بدأ الصيام في كل الديانات: الصيام في ظروف معيشية صعبة وفي ظروف وطقس ومناخ لا يطاق أحيانا، حتى إن رمضان كشهر إنما سُمي رمضان بسبب الحرّ الشديد “الرمضاء”، مع ذلك كان المسلمون يصومون رمضان وباقي أشهر السنة، رغم شظف العيش وقلة الماء وصعوبة الحياة والجهاد، ولم يكن يفطرون إلا على القليل مما حضر من تمر أو حليب أو حساء أو خبز.

الأصل إذن في الصيام، والعبرة والغاية منه هو التقليل من كل شيء تميل إليه النفس البشرية المادية لحساب ترقية نفسية وتطهيرها والارتقاء الروحي انطلاقا من تغذية الروح بما هو أهل لها وأفضل وأحسن وهي العبادات والصلوات وفعل الخيرات. هكذا كان دأب الأنبياء قبل الإسلام وما بعده مع الجيل الأول والثاني وحتى مع تابعي التابعين.

غير أن الأمر تغير مع تطور الحياة الاقتصادية والثروة في العهد الأموي ثم العباسي في ما بعد وما تلته من تطوّر المجتمع الإسلامي ماديا إلى غاية انهيار الحضارة الإسلامية في الأندلس وما بعد العصر الموحدي كما يقول مالك بن نبي. لكن ما زاد في طين الاستهلاك بلة، هو نمو ثم تطور وتوحش الرأسمالية العالمية التي افترست كل الدول والشعوب وأدخلتها في دائرتها الاستهلاكية باعتبار المستهلِك هو وقود الرأسمالية وحطبها.

نلاحظ اليوم، كيف أصبح شهر رمضان على خلاف الأصول والمقاصد، عنوانا للاستهلاك بامتياز، متحولا من شهر للامساك والتقليل من المشتهيات كلها وغضّ الطرف عن الماديات والغواية والإغراءات غير الروحية، إلى شهر لتغذية كل هذه النَّزعات المادية بكل أطيافها بما فيها مسلسلات الترفيه والفكاهة وترف الفرجة عبر برامج لا علاقة لها برمضان، بل أحيانا منافيا تماما له، خلافا لما كان يُنتج في رمضان من مسلسلات دينية أغلبها كان من مصر. هذه المسلسلات، على الرغم من بساطتها وقلة تكلفتها الإنتاجية، كان لها جمهور وكانت تتماشى والمناسبة، إنما مع ظهور وانتشار الحركات الإسلامية، التي يحمِّل البعض هذه المسلسلات سرَّ انتشارها و”أسلمة المجتمع” بعد فترة “جاهلية” الاستعمار والتخلف خلال القرن الـ19 والـ20، تم استبعاد كل ما هو ديني حضاري تاريخي في الدين، لصالح مسلسلات اجتماعية فكاهية أو أفلام الحركة “أكشن”، أو حتى مسلسلات تدين بعض التيارات الإسلامية، خدمة لأجندات سياسية، كما هو الشأن اليوم مع بعض القنوات الخليجية التي تهاجم حماس والمقاومة وتدافع عن العدو وتُعرض حاليا في رمضان.

هذا الانزلاق نحو الهاوية من مسلسل الاستهلاك إلى استهلاك المسلسلات، أفضى إلى إنتاج واستهلاك السم في الدسم، وخدمة مشاريع تحرّر معادية للدين، للأسف بفعل المال الربوي النفطي والنزوع نحو التطبيع حتى في عز التقتيل والتجويع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!