الرأي

مشكلة تقاعد أم مشكلة عمل؟

محمد سليم قلالة
  • 1551
  • 15
أرشيف

يبدو أننا لم نَطرح السؤال الصحيح بشأن التقاعد؟ لماذا يرغب مَن هم في سن الأربعين أو الخمسين مغادرة الحياة العملية؟ لماذا يصل هؤلاء وبسرعة إلى درجة يُصبح العمل بالنسبة لهم عقابا وليس واجبا يؤدونه عن طيبة خاطر؟ الجواب يكمن في أنهم بعد تجربة قد تطول أو تقصر يكتشفون أن العمل أصبح بلا قيمة، أن تعمل أو لا تعمل سيان، أن تبذل قصارى جهدك وتتفانى في خدمة غيرك أو لا تقوم بأدنى شيء سيان، أنت وذلك الذي يعيش عالة على الآخرين بلا كفاءة ولا قدرة على زيادة أي قيمة مضافة تتقاضيان نفس الأجر إن لم يكن هو أفضل منك من حيث المزايا الناتجة عن القرب من المسؤول، والتفرغ لاصطياد الامتيازات…
هو ذا شعور الكثير من العمال الجادّين والمثابرين وذوي الكفاءة، بعد عقد أو عقدين من الزمن يكتشفون أن لا قيمة للعمل، وأن لا تقييم لهم على أساس الجهد والكفاءة والإخلاص فيبدؤون في البحث عن أول باب للخروج، التقاعد المسبق.
هل يعقل أن تتساوى أجور جميع العمال فقط لأنهم يحملون نفس الشهادة؟ هل يعقل أن تُصبح قيمة المردودية الفردية بلا معنى في أكثر من قطاع ومجرد علاوة يتقاضاها مَن يعمل ومَن لا يعمل؟ هل من المقبول أن يتساوى الأستاذ المُجِد وغير المُجِد، الطبيب المواظب وغير المواظب، العامل الذي يُتقن عمله وذلك الذي لا يتقنه؟هل من العدل أن يتقاضى الجميع نفس الأجر إن لم يكن الكسول أفضل من العامل؟ وأين دور التحفيز؟أين هي المكافأة التي يمكن أن يشجع بها المسؤول الأكفاء؟ وأين هو العقاب الذي يُمكِّنَه من ردع المتخاذلين؟
لا شيء من هذا، ومشكلتنا تكمن في هذا المستوى، لو كانت الأجور تُسلم لأصحابها وفق تقييم حقيقي للجهد المبذول، لو كانت الفوارق واضحة بين العامل المُجِد وغير المُجِد، لو كانت التحفيزات عالية وعادلة تُميِّز بين الكفاءة والرداءة، لو كان هناك تقدير للجدية والنزاهة وقيمة العمل، لتَمَكَّن العامل من الحصول على ضعف أو أضعاف أجر زميله قليل المردودية، ولما لجأ الكثير إلى التقاعد المسبق للفرار من جحيم اللاعدل في تقييم الجهد، ومن جحيم المحاباة في العمل والترقيات والامتيازات. لو أنه كان لدينا نظام عادل لتقييم العمل ولتثمين الكفاءة ولتحفيزها على البقاء لما طالبت بالمغادرة.. أما وأنَّ الكل سواء، الذين يعملون والذين لا يعملون، الذين يعلمون و الذين لا يَعلَمون، في تناقض تام مع السنن الإلهيةوالكونية فإن الفرار إلى التقاعد يُصبح ملجأً لا بد منه. عالجوا مشكلة العمل أولا.. المشكلة ليست في التقاعد.

مقالات ذات صلة