الرأي

مشكلتنا مع الأخلاق والنظافة!

أرشيف

يطرح الجزائريون في الآونة الأخيرة، مشكلة انعدام النظافة في محيطهم العام، وتجتهد الجماعات المحلية _ مؤقتا كالعادة _ بطريقة “فولكلورية” في محاولة منها لتضميد ما يداها أوكتا وما فوها نفخ، ويعود الحديث عن انعدام النظافة كلما أطلّ “هلال” أي مرض أو وباء أو عاثت الجرذان والعقارب والبعوض والزواحف فسادا ولسعا في أجساد سكان المشاتي والمدن.

ويطرح الجزائريون مع كل زلزال أخلاقي أو تجاوز في حق المواطنين والضيوف والسياح، انعدام الوازع الأخلاقي عند الكثير من الناس، حتى إنك تخال أن الخمسة عشرة ألف مسجد التي تزخر بها الجزائر، إنما تؤذن في مالطا، وأن نصف المليون أستاذ، الذين ينتمون إلى وزارة التربية قبل التعليم، إنما يدرّسون نفرا من الصمّ البكم من الذين لا يفقهون، وكل “الشطحات” التي تفضلت بها السلطة باءت بالفشل، وكانت النتيجة أن الجزائري كلما عاد من أي بلد زاره في العالم، إلا وروى بانبهار النظافة والأخلاق، وكأنه قادم للتو من الجنة إلى النار.

الجزائري هو الوحيد في العالم الذي يرمي بقايا أكله من نافذة بيته أو سيارته أو مكتبه أو حتى المسجد الذي يتوضأ ويصلي فيه، وهو الوحيد الذي يسبّ بالكلام الفاحش أم وأبا جاره أو صديق طفولته أو ابنه، وهو الوحيد الذي يكفر على الذات الإلهية، أمام الملإ من دون أن يجد رادعا باليد أو باللسان أو حتى بأضعف الإيمان.

لا أفهم لماذا نستورد من الصين الإبرة وأثاث المنزل وحوض الحمام والفوطة والصابون والكراس والقلم والمحفظة والمئزر وأحمر الشفاء وفستان العروس والسيارة وكل ما نحتاجه وما لا نحتاجه، ولا نستورد قوانين النظافة والأخلاق في هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه مليارا ونصف مليار نسمة ولا تجد قصاصة ورق واحدة في شوارعه، ولن يشتمك أحد من هذا المليار، حتى ولو حرقت أرز الصين وحطمت سورهم العظيم. لا أفهم لماذا ننبهر بفرنسا إلى حدّ الهوس، فنتكلم لغتهم ونحلم بتأشيرتهم وحتى بجنسيتهم وبالإقامة في بلادهم، ونتبع ملتهم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعناهم، ولكننا لم نستلهم طرق تثبيتهم للنظافة والأخلاق في حياتهم العامة.

في ماليزيا كل من يرمي قصاصة ورق أرضا، يقاضى، وفي سوريا برغم نار الحرب الأهلية، فإن كل من يطلق شتيمة في ملعب كرة يُغرّم فريقه ويعاقب، وفي بلادنا يُغرّم من يسوق من دون حزام الأمان، ولا يُجرّم من يرمي الزبالة في الأودية ويحرق الغابات ويسب الذات الإلهية وعامة الناس نهارا جهارا.

لن تجد السلطة عندنا من يمانع، لو لجأت إلى مثل هذه القوانين الصارمة التي تُركبنا قطار التحضّر الذي نزلنا منه في أول محطة بعد الاستقلال، فالجزائر هي البلد الوحيد في العالم الذي لا عمل لبلدياته التي فاق تعدادها خمسة عشر ألفا، سوى جمع القمامة، والقمامة في كل مكان، وهو البلد الوحيد في العالم الذي تكتظ مساجده بالمهللين والمكبّرين ولكن للأسف صوت الشتيمة هو الغالب.

مقالات ذات صلة