-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مصطفى بن بولعيد.. الموحد والجامع

بقلم: صالح لغرور
  • 7081
  • 0
مصطفى بن بولعيد.. الموحد والجامع

يعتبر مصطفى بن بولعيد، المناضل الأكثر تمثيلا للحركة الوطنية الجزائرية بكل أبعادها السياسية والمادية والعسكرية. لقد ساهم سياسيا في توعية المواطنين وتجنيد إطارات الثورة. كرس أمواله لخدمة التحضير للثورة: شراء الأسلحة وتخزينها لليوم الموعود. تمكن بفضل نضاله أن يصبح عضوا في اللجنة المركزية لحزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية. ساهم بأمواله وبجهوده لجمع الشمل بين مختلف الاتجاهات السياسية لتوحيد الصفوف قبل إعلان ثورة نوفمبر 1954 عبر كل مناطق الجزائر، وقد نجح في ذلك.

هذه الثورة التي يمكن اعتبارها أكبر حدث وأعظم انتصار حققته الشعوب المستضعفة والعالَمان العربي والإسلامي منذ سقوط غرناطة.

كان بن بولعيد رجل المرحلة، فقد سخّر كل إمكانياته السياسية والمادية في خدمة الحركة الوطنية المتمثلة في حزب الشعب والحركة من أجل الحريات الديمقراطية منذ أربعينيات القرن الماضي. لقد جعل من الأوراس مأوى لعدة سنوات لمن أصبحوا في ما بعد روادا وقادة لثورة نوفمبر 1954، سواء أعضاء المنظمة السرية أم ما يسمى “بمتمردي الشرف” الذين تمردوا ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية نتيجة الظلم والتعسف الذي يعانيه الشعب الجزائري.

دفع بن بولعيد بأوراس- النمامشة وبالجزائر إلى الملحمة الأكثر إثارة، بهذه الملحمة سجلت للجزائر أمجد وأنبل الصفحات في تاريخها. كان بن بولعيد مصطفى الرجل المصالح والجامع بين الفرقاء وموحد الرجال الذين قرروا صنع الحدث الذي زعزع الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية. الكل متفق على أن هذا الانتصار وهذه الملحمة أنجبا الدولة الجزائرية ألحديثة وذلك بفضل أبنائها وأبنائها فقط.

إن استشهاد مصطفى بن بولعيد في السنتين الأولىين للثورة خسارة كبيرة للجزائر، فمن المؤكد أن الجزائر كانت ستظهر بوجه أخر، وجه ثوري وطني، أكثر إشعاعا لو كتب لرجال أول نوفمبر النجاة بعد ثورة التحرير أو لو لم يتم تصفيتهم أو إبعادهم عن المسار الذي قاد الجزائر إلى استقلالها ثم مسار بنائها لاحقا.

شكّل مصطفى بن بولعيد وبالتعاون مع مساعديه في منطقة أوراس -النمامشة مدرسة حقيقية للوطنية، تخرّج منها كما ذكرت سابقا من أصبحوا فيما بعد روادا لحرب التحرير الوطني. فقد ظل الأوراس لسنوات عديدة الملاذ الآمن للرواد من بينهم القادة: زيغود يوسف، بن طوبال، بيطاط وبن عودة وحباشي وغيرهم. لم ينجح بن بولعيد مصطفى في جمع شمل منطقة أوراس- النمامشة فقط، بل نجح في جمع شمل مناطق الجزائر كلها للمشاركة في اليوم التاريخي وهو أول نوفمبر 1954. كما حاول جمع شمل قادة الحركة الوطنية لتوحيد العمل المسلح. عرض على العديد منهم تبني ثورة أول نوفمبر، قبل البعض منهم والبعض الآخر التحق بمسارها في ما بعد.

بعد تنظيمه لمختلف الخلايا في الأوراس والتأكد من صدق وثقة الرجال الذين سيعول عليهم، عقد الاجتماع الشهير بـ”لقرين” على بعد 30 كلم من باتنة الذي أعلن فيه لرفاقه المقربين عن موعد اندلاع الثورة قبل ذلك أدى كل منهم اليمين بان لا يخون الثورة والقضية الإسلامية وأن يطيعوا بن بولعيد طاعة عميا. بعد ذلك باشروا في سحب نسخ بيان أول نوفمبر التي ستوزع ستوزع ليلة أول نوفمبر.

معظم المدن والقرى بالأوراس كانت مبرمجة ومستعدة لعمليات أول نوفمبر، من أهم العمليات التي لقيت صدى واسعا في الإعلام الفرنسي والعربي هي عمليات خنشلة وباتنة وتيغانيمن.

بعد هذه العمليات باشر بن بولعيد في تنظيم المنطقة الأولى وإنشاء إدارة وقيادة عليا للثورة.

فعلا كانت قيادة أوراس- النمامشة تسمى القيادة العليا للثورة. هذه التسمية ليست عفوية أو اعتباطية. فقد كانت فعلا القيادة العليا للثورة، فقد التحق بالأوراس في الأشهر الأولى للثورة أفواجا من الوطنيين الأحرار من كل مناطق الوطن، من وادي سوف من وهران من العاصمة ومن منطقة القبائل لتدعيم الثورة. كما طبعت مناشير مختلفة وكذا جريدةle Patriote، وكانت توزع على المنطقة الاولى وحتى على بعض مناطق الوطن.

على ما ذكرنا من محاسن القائد بن بولعيد، فإن هناك نقطة يمكن أن يؤاخذ عليها إن صحّت العبارة، تتمثل في احتكاره تمثيل مناضلي الحركة الوطنية بالأوراس على المستوى الوطني، مما أدى إلى تغييب دور بعض رجال المنطقة على الصعيد الوطني لاحقا. قد تكون رغبته هي الحفاظ على السرية التامة لإنجاح إشعال فتيل الثورة.

كتابات الفرنسيين حول استشهاد القائد بن بولعيد

كتب الفرنسيون الكثير عن ظروف اغتيال القائد بن بولعيد، وجاء كل ما كتب متطابقا، إلا أن بعض ما كُتب في الجزائر من الشهادات وحتى العديد من المؤرخين تخوض في تفاصيل تدبير المكيدة من طرف رفاقه مستمدة معلوماتها من مصادر غير موثوق فيها أو من تأويلات وتحاليل لا أساس لها من الصحة تضر أكثر بمساره.

أورد هنا تفاصيل اغتياله من طرف المصالح الفرنسية وكذا مختصر لشهادة عاجل عجول عن كيفية اطلاعه بعد شهر ونصف على الظروف التي استشهد بن بولعيد مصطفى..

يكتب أحد عناصر الجيش الفرنسي العاملين في مصالح الحرب النفسية: “في 15 مارس 1956 قرّر SDECE(مصلحة المخابرات الفرنسية) القضاء على مصطفى بن بولعيد، القائد الأول للولاية الأولى )الأوراس( وتوجيه ضربة قوية، لأن التمر القادم من الأوراس يمتد ليشمل كل الجبال المحيطة به. اختار SDECE تلغيم جهاز راديو من نوعSCR 694، الذي “سيضيع” خلال إنزال بالمظلات قرب مقر القيادة العامة لبن بولعيد.كنّا نعرف موقع مقر القيادة، فبدل فقدان رجالنا في عملية الهجوم عليه، يبدو أنه من الأسهل استعمال المكيدة. سيقوم رجال الولاية بكل ما بوسعهم لاستعادة الطرد “الضائع” بسبب حماقة الطيار الفرنسي قليل التجربة، وعندما يحاول مستعملو جهاز الراديو تشغيله سينفجر.

إذن فقد عرف السيناريو، وعلى الممثلين أخذ مواقعهم، وتنفيذا لذلك، تم تحويل ثلاثين من رجال GLI)الفرقة الخفيفة للتدخل( لبعض الوقت كمجندين احتياطيين بغية عدم إثارة قلق المجاهدين من هؤلاء الوافدين الجدد.

– تم تلغيم المذياع في باريس من طرف الرائد.Lesuques

– وردت رسالة في أوائل شهر مارس، تنبه إلى أن “الطرد” سيسلم لهم في 15 مارس على الساعة 17 )أي الخامسة زوالا(.

– وحدة المجندين المشار إليها تضع معالم المسار.DZ

– في الساعة المحددة، تظهر طائرة من نوع داكوتا  DC3 Dakota: ترمي طردين بمظلتين يحويان حصص المئونة، يهبط الطردان على الأرض بسلام، لكن الطرد الثالث الحامل للمذياع تعترضه مشكلة’ جدية’، فقد بقي معلقا إلى عجلة ذيل الطائرة )في الواقع كان الطرد مربوطا إلى أحزمة(.

وأخيرا استطاع الطيار التخلص منه على بعد كيلومتر من المكان “*

ما الفائدة من استمرار تغذية الشائعات حول اغتيال بن بولعيد؟!

 يروي عاجل عجول في استجوابه من طرف السلطات الفرنسية إنه هو وعباس لغرور تساءلا عن الغياب الطويل لبن بولعيد. ظن عباس لغرور انه سافر إلى منطقة القبائل فرد عليه عجول أنه لو سافر لأخبرنا بذلك، فقررا إرسال اتصال بحثا عن أخباره. إلا أن عجول التقى بقاسمي محمد بن مسعود الذي قال له إنه (أي قاسمي) كان قد ذهب إلى جمورة لزيارة الجرحى الذين تم نقلهم من جبل الأزرق إلى مصحة تحت إشراف الممرض عبد الوهاب، وإن هؤلاء الجرحى هم من نجوا من انفجار راديو وقع منذ شهر ونصف. بن شايبة الذي يحمل آثار جراح في جبهته كان حاضرا شرح لعجول ظروف الانفجار وأكد أن بن بولعيد استشهد في هذا الانفجار.

هذه المقتطفات المفصّلة من إحدى كتابات الفاعلين في المصالح الفرنسية التي دبرت ونفذت المكيدة التي أودت بحياة القائد الذي لا يضاهى والرجل الذي حقق الإجماع بين الثوار النوفمبريين دون منازع. ألا تكفي هذه الاعترافات الفرنسية لتبديد الشكوك حول كيفية استشهاده؟ مع الأسف الشديد ما يزال البعض إلى اليوم يثير الشكوك دون بذل أدنى جهد لتأكيد المعلومات المتعلقة بالموضوع.

 يتجلى بوضوح أنه وبعد قراءة استجواب عاجل عجول من طرف السلطات الفرنسية سنة 1956 أن عجول لا علاقة له بتاتا لا من قريب ولا من بعيد باغتيال مصطفى بن بولعيد.

يجب التنبيه إلى أن شهادة عجول تمت حسب اعتقادي في ظروف لا تثير أدنى شك في محتوى تصريحاته.

إن الاستمرار في تغذية هذه الشائعات بعد أكثر من نصف قرن من وقوع الأحداث يعد بحق ضربا خطيرا في المقام الأول للشهيد مصطفى بن بولعيد الذي يبقى عملاقا ومعلما من معالم التضحية في سبيل الوطن. معلم الجزائر الموحدة.

ظروف فرار بن بولعيد وقضية التفاوض مع السلطات الفرنسية

يذكر عجول أنه هو وعباس أعابا على مجموعة الحاضرين إخفاء استشهاد بن بولعيد عنهما، مشيرا إلى رسالة لوم إلى الحاج لخضر. ويقول حول فراره أن عباس طبع عددا كبيرا من المناشير تمجيدا لفرار بن بولعيد مصطفى من السجن والانتقاص والسخرية من مصالح الأمن الفرنسية، وأنه تحادث مع عباس الذي قال له بوجوب الحفاظ على بن بولعيد كقائد للمنطقة. ويذكر المناقشة التي دارت بينهما حول احتمال رغبة بن بولعيد التفاوض مع السلطات الفرنسية. فتوصلا كما يذكر إلى نتيجة: أنه مهما يكن فإن التفاوض مع فرنسا سيكون حتميا في يوم أو أخر، لكن يقول أنهما لا يريدان تفاوضا من نوع ” بورقيبة” الذي أدى إلى أن أصبح صالح بن يوسف عدوا في نفس الوقت لكل من فرنسا وبورقيبة. كما أكدا أن وحدة التفكير ضرورية بينهما وبين بن بولعيد.

صرح عجول أن مصطفى بن بولعيد أكد له أن الإدارة الفرنسية عرضت عليه ألتفاوض بواسطة المحامي الباتني “معليم”، لكنه رد عليها بأنه لم يعد هو القائد فقد برز قادة آخرين، وأن الثورة انتشرت خارج الأوراس عبر كل مناطق الوطن فلا يمكنه اتخاذ أي قرار فيما يخص التفاوض. يضيف عجول أن أول لقائه مع بن بولعيد وقع في شهر جانفي 1956 بالعطاف وان بن بولعيد اعتذر له عن عدم إخباره بقدومه لأنه كان يعتقد أنه عضو في القيادة العليا مقرها جبال النمامشة، يضيف عجول انه هو أيضا اعتذر لبن بولعيد، إذ قال له انه لو علم بقدومه لاستقبله استقبالا كبيرا في مستوى مكانته (أي بن بولعيد).

يقول عجول أن بن بولعيد مارس مباشرة مهامه بعد فراره من السجن.

استقبل بن بولعيد كقائد ولم يعزل أبدا كما تدعي بعض الكتابات.

بعد ان تعرض الى الصراع الدائر -حسبه- حول شرعية تبني ثورة نوفمبر 1954، يكتب المؤرخ الفرنسي جاك سيمون في كتابه -مصطفى بن بولعيد مؤسس الثورة الجزائرية: “لحل مشكل القيادة المسؤولة عن أول نوفمبر، من الأجدر وضع الحدث في سياقه وفي تاريخ الوطنية الجزائرية، يتضح حينئذ أن القائد الوحيد من القادة التاريخيين الذي حظّر بجدية للكفاح من أجل الاستقلال وأنشأ جيش الثورة وقيادة عليا والإدارة – وأعطى نبضا حاسما ليس للحرب بل للثورة الجزائرية هو مصطفى بن بولعيد.. “. ذلك هو مصطفى بن بولعيد.

من كتاب

André-Roger

Voisin, Intox et coups fourrés pendant la guerre d’Algérie, France, Ed.

Cheminements, mai 2008.

مصطفى بن بولعيد في سطور

– ولد مصطفى بن بولعيد يوم 5 فبراير 1927 بـ”انركب” بأريس ولاية باتنة.

– تابع دروسا في المدرسة القرآنية ثم درس في مدرسة الأهالي بباتنة أين تم دراسته الابتدائية.

– ساعد أباه في أعمال التجارة. بعد وفاة والده هاجر إلى فرنسا سنة 1935 لمدة سنة، حيث عاش عن كثب ظروف العمال خصوصا الجزائريين منهم.

– أدى الخدمة العسكرية الإجبارية سنة 1938 ثم أعيد استدعاؤه مرة أخرى سنة 1943.

– انخرط في صفوف حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية لاحقا سنة 1945.

– ترشح لانتخابات المجلس الوطني الجزائري فاز بأغلبية ساحقة لكن السلطات الفرنسية زورت الانتخابات وتمكنت من إقصائه.

– عضو اللجنة المركزية في حركة انتصار الحريات الديمقراطية.

– لعب دورا أساسيا في المنظمة الخاصة OS.

– من مؤسسي اللجنة الثورية للوحدة والعمل CRUA.

 – ترأس اجتماع 22 بالعاصمة.

عضو مجموعة 6 التي قرّرت تاريخ اندلاع الثورة.

– قاد بنجاح عمليات أول نوفمبر 1954 بالمنطقة الأولى. أوراس-النمامشة.

– قائدا للولاية التاريخية الأولى.

– سافر إلى الشرق لجذب السلاح فتم توقيفه في الحدود التونسية الليبية.

– تم توقيفه يوم 15 فيفري 1955.

– حُكم عليه بالإعدام من طرف المحكمة العسكرية بقسنطينة في 21 جوان 1955.

– فر من السجن مع 11 من رفاقه بتاريخ 11 نوفمبر 1955.

– استشهد بتاريخ 22 مارس 1956 بنارة في قلب الأوراس أثناء عملية قامت بها المصالح الفرنسية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!