-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" ترافق درك عين تيموشنت في تعقب "رحلات الموت"

… مطاردات لمهربي البشر

نوارة باشوش
  • 1993
  • 0
… مطاردات لمهربي البشر

يغامرون بحياة شباب ومراهقين.. نساء ورجالا اجتمعوا لهدف واحد هو المغادرة بأي ثمن وبأي وسيلة نحو وجهة واحدة ما وراء البحار.. لا يحملون معهم سوى أحلام وردية بالعيش الكريم على الضفة الأخرى مقابل 90 مليون سنتيم للشخص، على متن “السريع”، وهناك من يصل ليكون ضيفا ثقيلا في مركز الشرطة ليعاد ترحيله.. ومنهم من يكون وليمة لأسماك المحيط.. إنهم تجار تهريب البشر أو سماسرة بيع “الأحلام”..

لكن، كما يقال: “لكل فرعون موسى”… فأصحاب البذلة الخضراء من رجال الدرك الذين لا تعرف عيونهم النوم بالمرصاد، فهي تعمل ليلا ونهارا على شل نشاط هذه الشبكات التي تنظم رحلات هجرة غير نظامية نحو الضفة الأخرى من المتوسط، عبر زوارق وقوارب نفاثة وبأسعار تنافسية انطلاقا من مختلف الشواطئ الجزائرية لاسيما سواحل غرب الوطن على شاكلة عين تيموشنت القريبة من المياه الإسبانية.

هي حقائق وقفنا عليها بعين تيموشنت، التي بالرغم من الأمن الذي تتمتع بها هذه الولاية، إلا أن كونها ولاية ساحلية وشواطئها لا تبعد عن “منطقة” ألميريا ومورسيا الواقعتين بإسبانيا سوى بـ150 كلم فقط، جعلتها وجهة من وجهات نشاط شبكات تهريب “الحراقة”، إذ تكفي 4 ساعات فقط لقطع مسافة بحرية بين سواحل عين تموشنت وشواطئ الأندلس، الأمر الذي دفع برجال الدرك بالتنسيق مع حرس السواحل إلى مضاعفة الرقابة على الشواطئ لفرملة هذه الحركة المحمومة لعصابات منظمة. فمن يقف وراء هذه القوارب السريعة؟

وحسب المعلومات التي تحصلت عليها “الشروق”، على هامش عملنا هذا فإنه وبالرغم من محاولة شبكات تهريب البشر أو “الحراقة” العمل في الخفاء وبعيدا عن أعين الرقابة، إلا أن الدرك الوطني بولاية عين تيموشنت استطاع في شل وإحباط نشاط العديد منها وتوسعت حملة تفكيك واعتقال عناصر هذه “العصابات”، حيث تمكنت وحسب الأرقام التي تحصلنا عليها من تفكيك 35 شبكة في ظرف قياسي، أسفر عن توقيف 109 شخص أودع 43 منهم الحبس المؤقت.

إلى ذلك، كشفت مصادرنا عن عودة فرق الدرك المختصة في مكافحة الهجرة غير النظامية بقوة إلى نظام الحواجز الثابتة على طول الشريط الساحلي الغربي على شاكلة ولاية عين تيموشنت، مدعومة بالأسراب الجوية للطائرات العمودية للدرك، التي تقوم بتنفيذ طلعات جوية خاصة بهدف ضمان الدعم لوحدات الدرك العاملة بالميدان وكذا ضمان مراقبة جوية للشواطئ والطرقات القريبة منها إلى جانب رصد جميع التحركات المشبوهة وإيصال كل المعلومات اللازمة إلى الجهات المعنية، وهذا أمام جنوح أصحاب المال والأثرياء إلى جريمة تنظيم رحلات الهجرة غير الشرعية عبر قوارب “خارقة” أطلق عليه اسم “قوارب الشبح”.

 مركز العمليات.. العصب المحرك للدرك

ساعة كانت تشير إلى الثانية والنصف بعد الزوال عندما وصلنا إلى مقر المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بعين تيموشنت، بعد رحلة دامت لأزيد من 5 ساعات، حيث تم استقبالنا من طرف قائد المجموعة العقيد بوحوحو ربيع وعدد من ضباطه، أين تلقينا بعض التفاصيل حول الإجرام عموما بالولاية، حيث أجمعوا على أنه من دخل “المنطقة” فهو آمن باعتبار أن نسبة معدلات الجريمة منخفضة مقارنة بالولايات الأخرى من جهة ومن جهة أخرى فإن الخطة الأمنية المحكمة التي سطرتها قيادة المجموعة الإقليمية لدرك عين تيموشنت لمحاربة كل أشكال الإجرام وكذا الحد من إرهاب الطرقات أتت بثمارها في الميدان، من خلال تعزيز التشكيلات وتكثيف نقاط الحواجز الأمنية للمراقبة الفجائية على مستوى المسالك المؤدية للولاية، وهي أهم التدابير الأمنية التي يسهر على تطبيقها السلاح الأخضر خلال موسم هذا الاصطياف عبر المدن الساحلية للجزائر، تصديا لكل التهديدات والأفعال الإجرامية باستهداف أوكار الجريمة من خلال السرعة في التكفل.

وقبل أن نشرع في عملنا الميداني، عرجنا على مبنى قاعات العمليات الذي يعتبر القلب النابض للمجموعة أو العصب المتحرك لدرك عين تيموشنت، حسب ما كشف عنه الرائد أمين رمادة رئيس مركز العمليات بالمجموعة الإقليمية لدرك عين تيموشنت، الذي أكد أن المركز يعمل 24 على 24 ساعة ويتابع الأحداث السارية والتفصيلية لكل ما يحدث بإقليم الولاية، بعد أن يتلقى المعلومات من مختلف الوحدات العملياتية العاملة في الميدان على شاكلة فرق أمن الطرقات، خلية متابعة مراقبة المواد الاستهلاكية والغذاء، البيئة وغيرها، ليتم استغلال هذه المعلومات في حينها، من خلال إعلام أولي للجهات المعنية، ثم يتم بعدها إرسال المعلومة من دون تفاصيل، ليتم جمع المعلومات وكافة المعطيات مع تشخيص المعلومة وبعدها تحديد الوضعية، ويتم في آخر مرحلة إعداد نشرة معلومات توجه للقيادة الجهوية والمركزية للدرك.

وبعد حوالي ساعة كاملة قضينها في مركز العمليات، انطلقنا رفقة المقدم عبد القادر بيزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني والمقدم الهادي بشار رئيس مكتب الاتصال بالقيادة الجهوية الثانية للدرك الوطني بوهران، إلى جانب رئيس أركان المجموعة الإقليمية لدرك عين تيمشونت المقدم بلال طنجاوي، وعدد من الضباط بعد أن أشرف العقيد ربيع بوحوحو قائد المجموعة الإقليمية لدرك عين تيموشنت على كل الترتيبات، وكانت النقطة الأولى الكتيبة الإقليمية للدرك بالعامرية، أين سجلنا تعدادا بشريا مؤهلا للتدخل في كل الظروف والحالات لضمان أمن الأشخاص والممتلكات، حيث حضرنا كيفية تحضير التشكيلات المقحمة لتأمين إقليم الاختصاص من كل أشكال الإجرام وإرهاب الطرقات، على غرار فرقة أمن الطرقات، حماية البيئة، ثنائي سينو تقني، الأمن والتحري وعناصر الكتيبة، خاصة أن ولاية عين تيموشنت عرفت ارتفاعا قياسيا للمصطافين هذه السنة.

وفي عين المكان أعطى قائد الكتيبة الإقليمية لدرك العامرية الرائد عبد الرحيم مرابط عثماني الذي رافقنا هو أيضا في هذه الجولة، تعليمات صارمة بالتطبيق الصارم للقانون من دون هوادة، كل حسب مجال اختصاصه مع الحرص على حماية وصون حقوق الإنسان من دون تخطي حدود المهمة المكلفة لكل عنصر، تنفيذا لتعليمات القيادة العليا للدرك الوطني.

 مياه ملوثة.. وفرقة حماية البيئة بالمرصاد

وجهتنا الثانية، كانت الحاجز الأمني الواقع وسط مدينة العامرية، والمؤدي إلى الشواطئ وهناك لاحظنا توافد المئات من السيارات المرقمة من خارج الجزائر وكشف الرائد عثماني، عن تعليمات أعطيت للتحلي بالحذر واليقظة والتفتيش الدقيق لكل السيارات والأشخاص لضمان أمن المواطنين ومراقبة فعالة للإقليم.

لننتقل بعدها مباشرة إلى شواطئ بوزجار 1 و2 أين وقفنا على عملية تأمينها من “بلطجية” و”بزناسية” الشواطئ من جهة ومن المجرمين والمنحرفين والسكارى ومدمني المخدرات الذين يحاولون مرارا وتكرارا تعكير أجواء المصطافين من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، أكد المقدم عبد القادر بيزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، أن القيادة سطرت مخططا أمنيا خاصا بموسم الاصطياف يهدف إلى تهيئه الأجواء الأمنية الضرورية للمواطنين التي تمكنهم من قضاء موسم اصطياف هادئ في ظل السكينة والطمأنينة، حيث سترتكز جهود الدرك على الأماكن التي ستشهد إقبالا كبيرا على الشواطئ والمركبات السياحية وأماكن الترفيه والساحات العمومية..

ومن جهته، أوضح المقدم الهادي بشار رئيس مكتب الاتصال بالقيادة الجهوية الثانية للدرك الوطني بوهران، أن هذا المخطط الخاص بتأمين موسم الاصطياف لا يشمل فقط الولايات الساحلية وإنما يمتد إلى باقي الولايات التابعة للقيادة الجهوية الثانية لدرك بوهران والمقدر عددها بـ12 ولاية، خاصة عبر شبكه الطرقات التي تعرف كثافة مرورية كبيرة، إضافة إلى تواجد أفراد الدرك في الولايات الداخلية التي تعرف إقبالا للمواطنين عن بعض الأماكن، خاصة الغابات وأماكن التسلية، حيث تم تسخير مختلف التشكيلات على غرار الوحدات الإقليمية، فرق الأمن والتدخل، ثنائيات التقنية وحدات أمن الطرقات، الأسراب الجوية للدرك التي ستدعم الوحدات المتواجدة على الميدان إلى جانب الوحدات المتخصصة على شاكلة فرق حماية الأحداث، وخلايا مكافحه المساس بالممتلكات الثقافية.

ولفرق حماية البيئة دور فعال في ضمان سلامة المصطافين، من مياه البحر الملوثة ورمالها التي تحتوي على جراثيم مضرة بصحة المواطنين، إذ وفي عين المكان حضرنا عمل عناصر هذه الفرقة المتميزة، التي تمارس مهامها باستعمال كل الوسائل اللازمة، حيث قام قائد فرقة حماية البيئة برفع عينة من مياه البحر بشاطئ بوزجار1 المحاذي لقنوات صرف المياه، باستعمال أنبوب خاص وجهاز متعدد القياسات أو ما يسمى بـ”مولتيمتر”، ليقوم بإرسالها بعد حين إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية للدرك الوطني ببوشاوي بالجزائر العاصمة، التي ستخضعها إلى التحاليل الدقيقة.

وقال قائد فرقة حماية البيئة إنه “في حالة ما أسفرت التحاليل عن أن المياه ملوثة، نقوم بتحسيس المواطنين أو في حالة المصانع التي تصب مخلفاتها مباشرة في البحر نقوم بتوجيه إعذارات إلى الجهات التي تسببت في ذلك في حرمان آلاف المصطافين من التوجه إلى الشواطئ شهرا واحدا فقط لاقتناء محطات التصفية الداخلية”.

“بلطجية” الشواطئ في قبضة الدرك

شاطئ بوزجار2، هي النقطة الأخيرة التي وقفنا فيها على التعزيزات الأمنية التي سخرتها المجموعة الإقليمية للدرك بعين تيموشنت، التي أشهرت سيف الحجاج على “مافيا الشواطئ”، عبر جميع ساحل إقليم الولاية من خلال مداهمات واسعة ومكثفة لتطهير الشواطئ أسفرت عن طرد وحجز عتاد “البزناسية” في خطوة لمحاربة ظاهرة الاستغلال السياحي من دون وجه حق وتحرير المئات من المحاضر لمتابعتهم قضائيا.

وحسب ما وقفت عليه “الشروق”، وحسب ما تلقيناه من معلومات في عين المكان، فإن مستغلي أو ما أطلق عليهم “بلطجية” الشواطئ يلجأون إلى تقسيمها على شكل تجزئات ومربعات ونصب الشمسيات وتثبيت الطاولات على طول الشواطئ، متسببين في حرمان العائلات من الاستجمام وحجب الرؤية على المصطافين في تعد صارخ على القوانين على مرآى الجميع، حيث يتنافس الشباب الذين يدخلون يوميا في لعبة القط والفأر مع مصالح الدرك على حيازة الأماكن بمظلاتهم للكراء مع طلوع الشمس كل صباح، مستغلين خلو الشواطئ في تلك الفترة من أجل كرائها بأسعار تصل إلى 1500 دينار، ناهيك عن تسعيرة الدخول لهذه الشواطئ التي تصل على الأقل ألف دينار تمثل ثمن المظلة والكرسي من الحجم الصغير، ويرتفع المبلغ من شاطئ لآخر حسب الموقع ومن دون احتساب تسعيرة توقف السيارة المبالغ فيها.

وفي هذا السياق، أكد لنا الرائد عبد الرحيم مرابط عثماني قائد المجموعة الإقليمية لدرك العامرية أن العشرات من عمليات المداهمات والتفتيشات “الماراطونية” والحجز تمت خلال الأسابيع والأيام الأخيرة من طرف مصالح الدرك الوطني عبر جميع إقليم الولاية في خطوة لكسر سيطرة من يحاولون تملك الشواطئ والتضييق على المواطنين بفرض إتاوات تحت مسمى الخدمات، لكن بطريقة غير قانونية ومن دون وجه حق.

وتأتي العملية، حسب الرائد عثماني مرابط، ضمن الإجراءات الردعية الرامية إلى مكافحة الاستغلال غير القانوني للشواطئ، وكذا المجهودات المبذولة من طرف عناصر الدرك، اعتمادا على مخطط يرتكز على الجانب الوقائي والمحافظة على أرواح وممتلكات المواطنين والصحة العمومية.

وقبل أن نسدل الستار على جولتنا هذه وقفنا على مشهد تشمئز منه النفوس من خلال مداهمة عناصر الدرك لأحد محلات بيع المأكولات السريعة أو شبه “فاست فود”، أين وقفنا على كارثة صحية بكل المقاييس، إذ تم رصد جملة من المخالفات المتعلقة بشروط النظافة، تضر بصحة المواطنين.

واستنادا للإجراءات القانونية، قامت عناصر الدرك بتثبيت المحل وكذا الوجبات، مع رفع عينات منها ووضعها تحت تصرف الشرطة العلمية للتحليل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!