-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

معادن الرّجال ليست واحدة

أبو جرة سلطاني
  • 812
  • 0
معادن الرّجال ليست واحدة

كلّ مفكّر واع في كلام الله تتبادر إلى ذهنه عشرات الأسئلة حول المنهج الذي ساس به ذو القرنيْن هؤلاء الأقوام، ومنها ما يدور عادةً في أدمغة القادة المزعومين ويختمر في عقول كثير من الزّعماء المزيّفين الذين يحبّون أنْ يمدحوا بما لم يفعلوا. وجوابها -من كتاب الله- واحد لا يتغيّر، خلاصته: أنّ المشاريع الضّخمة تنتدب لها الأقدار صفوة مختارة من القادة الذين يرون أنّ ما عند الله خير. وأنّ فعل الخيرات لا يقابله أجرٌ ولا يكافئه ثناء. فالرّجال معادن ولكلّ معدن بذرة أصيلة وقشرة تغطّيها.

فبذرة الكبار نفيسة لا يعرف قيمتها إلاّ من أدرك عمق المعنى الذي ختم به ذو القرنيْن جولته القيّاديّة بين المشرق والمغرب مرورًا بموقع العيْن الحمئة، عندما كشف عن جوهر الأسباب المتاحة لمن يرسله الله نعمة ورحمة وفرجا بعد ضيق، فينجز بدون مقابل: ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)) (الكهف: 95)، فما عند النّاس من ثروة ومال وخراج لا يعني صنّاع الحياة إلاّ بمقدار ما يتمّ تحويله من وسائل ضروريّة تيسّر إنجاز ما هو واجب لحماية الحقّ وإمضاء العدل وإقامة العمران.. ولذلك ردّ عليهم مالهم وسألهم الإعانة بقوّة ما عندهم: ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)) (الكهف: 95)، وكان عندهم كثيرٌ ولكنهم لا يعرفون نعم الله عليهم.

علّمهم ذو القرنيْن أنّ الإنجازات الكبرى تحتاج إلى تعاون بين النّاس يذلّل الصّعاب. وتحتاج إلى شراكة تخرجها من أنانيّات العمل المعزول ومن هوى صناعة البطولة الفرديّة إلى أريحيّات العمل الجماعيّ. فطلب العون بقوّة تشعركم أنهم قادرون على الفعل.

  • فالعون المتخاذل خذلان.
  • والمساعدة المتظاهرة غرر.
  • والنّفرة الثّقيلة مقدّمة لكلّ هزيمة.
  • والإعانة الضّعيفة المتردّدة توهن الصّف وتزرع النّفاق في قلوب الذين يبحثون عن أعذار للفرار.

كلّ ذلك سوسٌ ينخر لباب الأشجار الباسقة ويصدّع تماسك المؤسّسات القائمة ويجمع كلّ مسترخِ في ظلّ الكسل المتذرّع بما ليس موجودًا ولا يتفقّد ما هو موجود. وذلك قول لا يكاد يُفقه.

هذه المعاني هي التي تكشف لنا عن حقيقة الفرق الواضح بين توفّر الأسباب وخوَر العزيمة وفقدان إرادة استخدامها أو توظيفها في النّفع العامّ بانتظار أجير ينجز لهم ما عجزوا عن فعله مقابل أجر. فكم من المترفين يعتقدون أنّ كلّ شيء قابل للبيع والشّراء، فيشترون السّلع والخدمات والبرامج والبضائع والبشر.. ويستوردون الفكر والرّأي واللّغة والقيّادة والمناهج الجاهزة واليد العاملة والخبرة الوافدة.. ويُوكِلون لغيرهم مهمّة إنجاز ما يحتاجون إليه لتحصين أنفسهم بخدماتهم.

ومن رحمة الله -جل جلاله- أنه يبعث في كلّ جيل من يغيَّر عادات النّاس ويزرع فيهم الثّقة في أنفسهم ويتصدّى للفكر الاستهلاكيّ ويبثّ فيهم الحيويّة والنّشاط ويحوّلهم إلى أقوام معتزّين بذكائهم وبقدراتهم وطاقاتهم وما وهبهم الله من ملَكات.. وبإشراكهم في إنجاز يوقف زحف الفساد في الأرض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!