-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
زوايا ومساجد تاريخية يلفها الإهمال

معالم دينية وعلمية عرضة للانهيار بأولاد جلّال وبسكرة

عبد الرحمان محامدية
  • 420
  • 1
معالم دينية وعلمية عرضة للانهيار بأولاد جلّال وبسكرة
أرشيف

تزخر ولاية بسكرة بعديد الزوايا والمساجد العتيقة، التي تصنف كمعالم دينية وتاريخية وإشعاع ثقافي وعلمي، لترسيخ القيم الاجتماعية والدينية الجزائرية الأصيلة، المرتكزة على الوسطية والاعتدال. وهي أيضا ثروة هامة لتفعيل السياحة الدينية، حيث تعد ولايتا بسكرة وأولاد جلال رائدتين في هذا المجال وبامتياز. ففي ما يخص الزوايا، حظيت ولاية بسكرة بإنشاء زوايا عريقة يعود بعضها إلى ما يفوق قرنا ونصفا من الزمن. وهذه الزوايا تتوزع على عدة مدن وبينها روابط وثيقة.
نجد في مدينة طولقة الزاوية العثمانية، إحدى أقدم الزوايا على مستوى ولاية بسكرة، ذلك المعلم الديني الذي تأسس حوالي سنة 1780 على يد الشيخ علي بن عمر، بطلب وأمر من شيخه الفاضل العلامة محمد بن عزوز البرجي. وقد سميت هذه الزاوية بالعثمانية نسبة إلى الشيخ عثمان جد الشيخ بن علي. ولعل ما يميز هذا الصرح هو نشاطه المميز والمتواصل في مجال تحفيظ وتعليم القرآن الكريم وعلومه المختلفة، فضلا عن علوم أخرى لها صلة مباشرة بالقرآن والسنة، وبعض العلوم التي تخدم اللغة العربية وتوسع ثقافة طلبة هذه الزاوية، الوافدين إليها في كل سنة من مختلف ربوع الوطن، حتى إن الأرقام والتواريخ تؤكد أن عدد الطلبة يتجاوز المائة دوما، بالنظر إلى الظروف الملائمة التي توفرها الزاوية لضيوفها الطلبة، وأيضا بالنظر إلى القيمة المعرفية والعلمية التي يقدمها المدرسون ومعلمو القرآن للطلبة، بدليل سرعة حفظ القرآن الكريم في هذه الزاوية، ونجاح جميع طلابها في المسابقات الدينية، سواء الخاصة بحفظة القرآن أو بالأئمة في المعاهد الدينية، منها معهد سيدي عقبة.

كنوز من الكتب والمخطوطات
كما أن الزائر لهذه الزاوية سيستفيد حتما من مكتبتها التاريخية العامرة بالكتب والمراجع. فآخر الإحصائيات تؤكد أن مكتبة هذه الزاوية تتزين بآلاف المخطوطات منها 4500 مطبوع من المطبوعات القديمة، ومنها النادرة جدا فضلا عن 1500 مخطوط، والفضل في جمع هذا العدد الهائل من المخطوطات والمطبوعات يعود إلى شيخ الزاوية وحرصه على أن تكون مكتبة الزاوية غنية بكل ما يحتاجه طالب العلم من طلبة الزاوية. وأما عن طبيعة التدريس في هذا المعلم الديني والعلمي، فيرتكز أساسا على تدريس الفقه والحديث والسيرة والنحو والتاريخ وتحفيظ القرآن على رواية ورش. وبفضل المعلمين والأئمة الأفاضل تزود الطلبة عبر السنين والعقود بما يضمن لهم حفظ القرآن وعلومه المختلفة ليتخرجوا طلبة ناجحين ومقتدرين جدا.
وفي ذات الوقت الذي تأسست فيه الزاوية العثمانية، تأسست عبر ربوع ولاية بسكرة والزاب الغربي زوايا أخرى كثيرة، كان فيها لتلاميذ الإمام الشيخ بن عزوز البرجي الدور الكبير والفضل الأكيد. ففي خنقة سيدي ناجي تأسست زاوية الشيخ عبد الحفيظ الخنقي. وبسيدي مصمودي أو بلدية امزيرعة حاليا تأسست زاوية الشيخ الصادق بالحاج. وفي أقصى الغرب من ولاية بسكرة تأسست الزاوية المختارية التي تعد هي الأخرى من أقدم وأعرق الزوايا بالزاب الغربي، حيث ترجح الشهادات والوثائق التاريخية المتوفرة أن تكون هذه الزاوية قد تأسست سنة 1815 على يد الشيخ المختار بأمر من شيخه محمد بن عزوز البرجي. وقد اختير لهذه الزاوية مدينة سيدي خالد بداية ثم انتقل الشيخ المختار إلى أولاد جلال وتحديدا إلى شرق المدينة القديمة أين أمر بإنجاز الزاوية المختارية.

دور جهادي خلال الاحتلال
وتعتبر الزّاوية المختارية إحدى الزّوايا العريقة التابعة للطّريقة الرّحمانية، ومنذ تأسيسها نالت من الشهرة ما لم ينله غيرها، حيث أمّها الطلبة من جميع جهات الوطن طلبا للعلوم الدينية وتعلم القرآن بوجه أخص، وتاريخ هذا المعلم الديني يؤكد دوره في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشّرعية ونشر الطّريقة الرّحمانية وتربية النشء على المبادئ والقيم الإسلامية المرتكزة على الوسطية والاعتدال، فضلًا عن دورها الجهادي إبان الاحتلال الفرنسي. ويكفي هنا أن نذكر من طلبتها أسد الصحراء الشيخ عاشور زيان، الذي تخرج طالبا من هذه الزاوية ليلتحق بقيادة جيش قوامه 1000 جندي، فاستحق وصف أسد الصحراء الذي لقبه به البطل مصطفى بن بولعيد. ولعل النظام الداخلي والتكفل المجاني قد ساعد الزاوية المختارية على أن تكون قبلة للطلبة طوال عقود من الزمن.
ومن حيث الهيكل المعماري لهذه الزاوية، فإنها تتربع على مساحة إجمالية تفوق 3000 متر مربع، وهي تضم مسجدا للصلاة يحمل اسم الشيخ المختار مؤسس الزاوية المختارية. وهذا المسجد مساحته تفوق 144 متر مربع يتسع لمائتي (200) مصلٍّ. وداخل ساحة هذا المسجد نجد بهوا فسيحا تحيط به مجموعة من الأقواس بنيت على الطريقة القديمة، كما يحيط بفناء المسجد عدة غرف بمساحة 20 مترا مربعا لكل غرفة. وهذه الغرف كانت ولا تزال مخصصة لإيواء الطلبة الوافدين من أجل تعلم القرآن وحفظه. وفي الجهة الغربية لهذا المسجد نجد ضريح الشيخ المختار الذي بني على الطراز المعماري القديم، خصوصا ما تعلق بالقبة العلوية التي تضم زخرفة ومنمنمات خارقة في الروعة والجمال، وهي تحاكي من الداخل قبة مسجد خالد بن سنان العبسي بمدينة سيدي خالد وقبة مقر ولاية العاصمة حاليا، حيث تؤكد المصادر والمراجع أن منجز هذه التحف الفنية المعمارية هو شخص واحد ينحدر من ولاية وادي سوف.
وغير بعيد عن مسجد الشيخ المختار تم إنجاز بئر متوسطة العمق، كانت تستغل قديما لتوفير مياه الوضوء للمصلين والطلبة. كما نجد ملاصقا للمسجد قاعة الاستقبال وهي قاعة فسيحة بنية على الطراز القديم أيضا وهي تربط بين البوابة المؤدية إلى فناء المسجد غربا والمنزل الكبير التابع للزاوية المختارية جنوبا. وهناك أيضا منزل كبير تابع للزاوية مبني على الطراز العربي القديم ببهو وأقاس وفناء واسع (أي حوش)، الذي ظل يحتضن الضيوف. وكل هذه البنايات الكبيرة هي ما يمكن تسميته بالزاوية المختارية ومرافقها، وقد بنيت بمواد بناء تقليدية وهندسة محلية تلائم المناخ والبيئة الصحراوية التي تتواجد بها هذه الزاوية.

مطالب بالترميم العاجل
وبالإضافة إلى هذه الزوايا، فإن ولاية بسكرة وأولاد جلال المجاورة لها تضمن أيضا عديد المساجد العتيقة والقديمة، التي تعد هي الأخرى معالم دينية وإشعاع علمي. ومن ذلك نذكر مسجد خالد بن سنان العبسي سيدي خالد الذي يعود إلى 1913 ومسجد سيدي لمبارك بخنقة سيدي ناجي ومسجد عقبة بن نافع الفهري بسيدي عقبة والمساجد العتيقة بكل من برج بن عزوز وأولاد جلال. وبزريبة الوادي، نذكر عديد المساجد منها مسجد سيدي مسعود وسيدي عامر وسيدي عيسى. وإذا كانت هذه المعالم كنوزا وقيمة إضافية لولاية بسكرة وأولاد جلال، فإن وضعية هذه المعالم ليست على ما يرام أحيانا، فبعضها يعاني التصدع بسبب القدم وهو في حاجة إلى الترميم العاجل وبعضها الآخر في حاجة إلى دعم مادي ليساير التطور التكنولوجي وطرق التدريس الحديثة، ولو أن أغلب هذه المساجد ما زالت محافظة على طريقتها التقليدية في تعليم وتحفيظ القرآن باستعمال الألواح الخشبية والمداد (الصمغ) والطين الأصفر. فهذه الوسائل وببساطتها لها حكمتها في تسهيل عملية حفظ القرآن والدليل عدد الحفظة سنويا والقادم أفضل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    الاوربيون يقدسون تراتهم و مبانيهم التاريخية. اما عندنا فلا يعرفون له اي قيمة