-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

معركة غزة سيكون لها ما بعدها

معركة غزة سيكون لها ما بعدها

لم يتلقَّ الكيان الصهيوني ضربة موجعة كالتي تلقاها هذه المرة على أيدي فصائل المقاومة الفلسطينية، فحسب هذه المقاومة شرفا أنها أبطلت خرافة “إسرائيل القوة التي لا تقهر”، وأنها أقضّت مضاجع قادتها السياسيين والعسكريين الذين اعترفوا بفشل إستراتيجيتهم وحساباتهم حول عدوهم وصرحوا في أكثر من مناسبة بأن اجتياح غزة لن يستغرق وقتا طويلا فإذا بالمعركة يطول أمدها وتظل غزة صامدة رغم الجراح وشح السلاح وتكالب الغريب وخذلان القريب.

إن تاريخ غزة كله عزة، فما استسلم الغزاويون خلال تاريخهم الطويل لعدوهم وما وهنوا وما استكانوا. يحدثنا عارف العارف في كتابه “تاريخ غزة” عن ملاحم بطولية من كفاح الغزاويين ضد الغزاة ويقول عن غزة: “إنها ليست مدينة عادية، ليست وليدة عصر من العصور، أو بنت قرن من القرون، ولكنها وليدة الأجيال المنصرمة، ورفيقة العصور الفائتة كلها، من اليوم الذي سطر التاريخ فيه صحائفه الأولى إلى يومنا هذا. وإنه لتاريخ مجيد، تاريخها، ذلك لأنها صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها، وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها، حتى أنه لم يبق فاتحٌ من الفاتحين أو غازٍ من الغزاة المتقدمين والمتأخرين الذين كانت لهم صلة بالشرق إلا ونازلته، فإما أن يكون قد صرعها، أو تكون هي قد صرعته”.

غزة على صِغر مساحتها مقبرة للغزاة ورحم ولَّادة للرجال الأبطال الذين لا يخشون في الله لومة لائم، ظاهرين على الحق لا يضرُّهم من خالفهم كما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمرُ الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. وأكناف بيت المقدس تشمل بيت المقدس وما حولها وتتسع -حسب بعض المحققين- لتضم بلاد الشام وما وراء بلاد الشام.

إن الطائفة المنصورة التي سيتحقق على يدها النصر ليست هي بالضرورة فصائل المقاومة المعروفة الآن، بل قد تكون طائفة أخرى مغمورة وغير معهودة تظهر في اللحظة الحاسمة التي تكون بداية لتحقق الوعد النبوي.. “حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. إن غزة ليست هي حماس أو الجهاد الإسلامي أو كتائب أكناف بيت المقدس، بل هي غزة بكل أطيافها، برجالها ونسائها وشيبها وشبابها.

إن معركة غزة قد وضعت الكيان الصهيوني في أزمة كبيرة. حينما أقول هذا الكلام فأنا أعي ما أقول، فهذا الكيان لا يملك النَّفَس الطويل وغير متعود على الحرب الطويلة ولا يقوى على أي مواجهة خارج قواعده، وإذا ما استدرج إلى حرب من هذا القبيل فإنها ستكلفه ثمنا باهظا. إن نفسية الجندي اليهودي نفسية مهزومة مهزوزة لا تجيد الحرب إلا داخل الأسوار والقرى المحصنة كما ذكر القرآن الكريم: “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون” (الحشر 14). إن الخطأ القاتل الذي إذا ارتكبه ما يسمى “جيش الدفاع الإسرائيلي” وأتمنى أن يقع، هو التفكير في الاجتياح البري الذي سيكلفه خسائر فادحة، وهو بالمقابل نقطة قوة للمقاومة الفلسطينية المتعودة على حرب العصابات وحرب الشوارع وتمتلك اليوم معدّات متطورة لتدمير العربات والدبابات. لقد تزامن التراشق السياسي والعسكري داخل الإدارة الصهيونية مع ازدياد حدة المعارك بين مؤيد للتصعيد وبين داع إلى الهدنة وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم: “بأسهم بينهم شديد”. لقد قرأت في النسخة العربية لصحيفة “معاريف” وصحيفة “هآرتس” أن هناك حربا مستعرة بين الأحزاب اليسارية واليمينية والدينية داخل الكيان الصهيوني بسبب الحرب في غزة إذ كررت بعض الأحزاب الدينية اتهامها لحكومة ناتنياهو بالتورط في حروب متكررة في غزة من غير حصاد، بل قد تشكل – كما قالوا- خطرا حقيقيا وعملية استنزاف مستمرة وليس في كل مرة تسلم الجرة.

من المفيد أن أقتبس هنا كلاما لمصطفى محمود من كتابه “إسرائيل: البداية والنهاية” يقول: “.. واللبن والعسل والرخاء الموعود والجنة الإسرائيلية هي موضوع الفصل الثالث والختامي من المأساة حينما تفتح إسرائيل نيران ترسانتها العسكرية في مشهد العشاء الأخير الذي يعود فيه يهوذا الإسخريوطي لينتقم من أولاد العم فيما يسمونه في الكتب القديمة “معركة هرمجدون” وهي ليست سوى الصليبية الثانية التي يحلم بها الغرب ليضع به النهاية الخاتمة للإسلام وأهله وتلك أحلامهم”.

وعلى ذكر صحيفة “معاريف”، فقد جاء في هذه الأخيرة أن حالة الصدمة التي أصابت الإسرائيليين جراء الهجومات التي شنتها المقاومة الفلسطينية على عدة مواقع إستراتيجية داخل العمق الإسرائيلي تفسر بشكل واضح الفشل الاستخباراتي الذريع الذي يتحمله ناتانياهو والفريق العامل معه والمؤيد له من الأحزاب اليمينية التي تحمّلها الصحيفة أسباب كثير من المآسي التي أصابت الدولة العبرية. ووصفت صحيفة “جيروزاليم بوست” هجوم حماس بغير المسبوق وأن الإسرائيليين لم يروا مثله منذ وصول حركة حماس إلى السلطة في غزة سنة 2006، مضيفة أن الهجوم فريدٌ من نوعه من حيث المفاجأة، إضافة لكونه تضمَّن قصفا بالصواريخ وتوغلا بريا في الوقت ذاته.

لقد أعلن الكيان الصهيوني الحرب والتعبئة الشاملة، فماذا يعني ذلك؟ إنه يعني بكل بساطة أن المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات وأن لها ما بعدها وأن على الفلسطينيين أن يستعدوا لأيام قاسية، فالإدارة الصهيونية على لسان ناتنياهو تفكر في تنفيذ مشروع إخلاء غزة وتهجير أهلها إلى سيناء المصرية، ويندرج هذا المشروع فيما يسمى “الشرق الأوسط الجديد” الذي يريده ناتانياهو “شرقا أوسطيا آمنا ومسالما وخاليا من الكيانات الإرهابية” على حد تعبيره، ولعمري كيف يتحقق ذلك والكيان الصهيوني عنصر مناف للأمن والسلم وكيان إرهابي بلا منازع؟

إن صانع الموت لا يمكن أن يكون صانعا للحياة.

إن إعلان الكيان الصهيوني الحرب الشاملة في غزة يعني أن المنطقة ستشهد صراعا إقليميا قد يدفع حزب الله في مرحلة أولى وإيران في مرحلة لاحقة إلى الانخراط في المعركة، حزب الله للدفاع عن نفسه لكونه كيانا مستهدَفا وله سوابق حربية مع الكيان الصهيوني وإيران لأنها متهمة من قبل إسرائيل ومن يدعمها من القوى الكبرى بتزويد حزب الله بالسلاح المتطور وتمرير جزء منه إلى فصائل المقاومة في غزة.

و عني إعلان الكيان الصهيوني الحرب على غزة كما يقول صالح النعامي في مقال له بعنوان: “ماذا يعني إعلان إسرائيل الحرب؟” بموقع “العربي الجديد”: “إعلان حالة الطوارئ، ووضع مقدرات إسرائيل اللوجستية وبناها التحتية تحت تصرف الجيش، من أجل تحقيق أهدافه في هذه الحرب، فضلا عن أن إعلان الحرب يقترن دائما بتجنيد قوات كبيرة من قوات الاحتياط”. كما يعني إعلان حالة الحرب من وجهة نظرنا اختلاق الأعذار والمسوغات من أجل إنهاء كابوس يسمى “غزة” الذي سبّب للكيان الصهيوني صداعا مستمرا، وهذا حلم صهيوني من نسج الخيال لأن غزة ليست حماس ولا الجهاد ولا أيّ فصيل آخر من الفصائل، بل هي قطعة من وطن كبير هو الوطن العربي والإسلامي، ولا أظن أن هذا الوطن سيرضى بانتزاع جزء منه، وهنا أرجح –في حالة إصرار ناتنياهو على تنفيذ هذا المشروع- اتِّساع رقعة الحرب والتي ستكون بداية النهاية لكيان سرطاني لا يملك شرعية سماوية ولا وضعية.

إن الهدف من إعلان الكيان الصهيوني الحرب على غزة بالدرجة الأولى هو تصفية القضية الفلسطينية وأصحاب القضية، وفسح المجال لعودة يهوذا الإسخريوطي للانتقام من أبناء العمومة كما تزعم الأسفار اليهودية. ومن المفيد أن أقتبس هنا كلاما لمصطفى محمود من كتابه “إسرائيل: البداية والنهاية” يقول: “.. واللبن والعسل والرخاء الموعود والجنة الإسرائيلية هي موضوع الفصل الثالث والختامي من المأساة حينما تفتح إسرائيل نيران ترسانتها العسكرية في مشهد العشاء الأخير الذي يعود فيه يهوذا الإسخريوطي لينتقم من أولاد العم فيما يسمونه في الكتب القديمة “معركة هرمجدون” وهي ليست سوى الصليبية الثانية التي يحلم بها الغرب ليضع به النهاية الخاتمة للإسلام وأهله وتلك أحلامهم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!