-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

معركة غزّة بين المبدأ والمصلحة

معركة غزّة بين المبدأ والمصلحة

يبدو أنّ المعركة الاقتصادية الوجودية بين الشرق بقيادة الصين وحلفائها، والغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها تنعكس في منطقة الشرق الأوسط نارا ودمارا من جهة، وسكوتا وتواطؤا من جهة أخرى.

لقد ظهرت معالم هذا المخطّط في العرض الذي قدّمه مجرم الحرب الصهيوني مؤخرا، بنيامين نتنياهو، أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، وأبرزَ فيه أنّ كيانه هو قلب الرّحى في هذه المعركة وأنّ من حالفه وبارك عدوانه سيجني ثمار هذا المخطط بمردود تنموي مُغرٍ. ووضع الدول في المنطقة والقوى الكبرى أمام خيار واحد هو الوقوف إلى جانبه ومباركة دماره لدفن القضية الفلسطينية أو خسارة اقتصادية كبرى وتصادم لا يعلم مداه إلّا الله.

ولعلّ سكوت دول كثيرة على ما يقوم به وحوش الصهاينة ومن حالفهم هو سكوتُ مصلحة لا سكوت مبدأ، خاصة الدول المنسوبة للعرب والمسلمين لقناعتهم الرّاسخة بعجزهم المالي والعسكري والإعلامي في مواجهة الصهاينة ومن وراءهم من القوى الكبرى بقيادة أمريكا والدول الاستعمارية القديمة في أوروبا.

كثيرٌ من الدول العربية خاصة وبعضٌ من الدول الإسلامية تتذاكى ببلادة أمام موجة الإرهاب الغربي الصهيوني، وراح بعضُها يربط بها علاقة عشق محرَّم وتودّد مقرف.

وأعتقد جازما أنّ هؤلاء سيخسرون حاضرهم ومستقبلهم، وستلحقهم لعنة التاريخ ولعنة اللاعنين إلى الأبد، وسيكون موقفُهم هذا سبب احتقارهم وخسرانهم الآن وغدا.

وأمّا سكوت البقية خشية دمار دولهم وشعوبهم بدعوى تحمّل أخفّ الضّررين فسيُترَك لحكم التاريخ.

لقد تعلّمنا من تعاليم الإسلام العظيم أنّ عاقبة الظّلم هي الخسران المبين، وقد أكّد التاريخ هذه الحقيقة.  والأكيد أنها تتجدد وتتكرر بغضّ النّظر عن عقائد الشعوب والأمم وثقافاتها.

وإذا كان الغُراب قد علّم ابن آدم كيفية التّخلص من جثّة أخيه بالدّفن، فإنّ حيوانات وكائنات أخرى ستُعلِّم العاقّين من بني آدم كيفية مواجهة عواقب جرائمهم وعدوانهم.

تكتشف البشرية مع مرور الزّمن أنّ نضالات حقوق الإنسان التي عرفت حركية لافتة منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم لم تكن إلّا غطاءً جميلا لإجرام بشري متوحِّش لاحقا، وأنّ الوثائق التي دُبِّجت على المستوى الأممي لم تكن إلّا وسيلة جديدة لابتزاز الشّعوب الضعيفة المُستعمَرة ونهب ثرواتها.

وأصبحت وثائق حقوق الإنسان سيفا مُسلَّطا على الدول النّاشئة بعد انتصار حركات التحرير، ووسائلَ إكراه على سلطاتها باسم ضرورة الالتزام بما يُسَمّى اليوم مبادئ الحكامة الرّاشدة وشروطها.

إنّ الحُكم الرّاشد في مضمونه البعيدِ لدى القوى الاستعمارية هو ذلك الحُكم الذي لا يستطيع التّنصل من شروط المستعمِر القديم ليَظل خادما لمصالحه، ولنا في تنظيم الكومنويلث، وفرنسا إفريقيا، وتحالفات الحماية الأمنية المثل الحيّ في إخضاع إيرادات سلطات الدول النّاشئة لمصالح الدول التي تمتلك ناصية السّلاح والمال والقرار الدولي.

ولو أدركنا هذه الحقيقة لفهمنا بوضوح كيفية تلاعب القوى الإمبريالية بمواثيق حقوق الإنسان ومآلاتها، ومنهجية تلبيس النصوص بنقيض فحواها، وليِّ عُنُق هذه النّصوص لأن تكون خادمة لمصالحهم في السيطرة والاستبداد والتوجيه.

إنّ الدليل القاطع على كل هذه الفوضى، هو ما نعرفه اليوم من ممارسات فاضحة لازدواجية المعايير بنفاق مكشوف حتى أصبح معه الضّحية جلّادا، والمُعتدي مُحرِّرا، والقاتل صانِعا للحياة ومُدافعا عنها، وأصبح حق الدّفاع عن النّفس تكريسا لممارسة العدوان والإبادة والتّهجير والحرمان من أبسط مقومات الحياة.

ولكم أن تتصوروا معي لو أنّ عُشُر ما يُمارَس اليوم في فلسطين يُمارَس على أوكرانيا، أو الباسك، أو سكان تايوان، أو الأرمن، أو بعض الأقلّيات في البلقان، بل على حديقة حيوانات في بريطانيا أو غيرها من الدول الأوروبية، ماذا ستكون ردودهم وكيف ستكون قراراتهم؟!

أن يُحتَجز صِحافيٌّ من أصل غربي في دولة عربية أو إسلامية، أو أن يُسجَن سائحٌ من هذه الدّول لارتكابه عملا مجرَّما في عالمنا، سيُقابَل ذلك بكل وسائل الضّغط السياسي والاقتصادي وحتى التّدخل العسكري إن اقتضى الأمر، ولكن أن يُباد شعبٌ بأكمله لأنّه يُقاوِم لاسترداد أرضه وحقوقه في الحرية والكرامة، فيوصَف بـ”الإرهاب” ثمّ يُبَاد تحت سمع العالم وبصره من قوى تُعطي لنفسها الحق دون سواها لأنّها ببساطة الأقوى اليوم، وما دام الحق مرتبطا بالقوة، فإنّ البشرية لن تهنأ بالأمن والأمان إلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!