-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مكة: حيث يتحقق المستحيل !

مكة: حيث يتحقق المستحيل !

في بقعة محدودة من حيث الجغرافيا ولا محدودة من حيث الطهر والقداسة، وحيث تتصل الأرض بالسماء، فيما راحت تتردد فيما بينهما نجوى الأرواح الضارعة وخفقات القلوب الخاشعة.. في مكة التي لا يزال يفوح في جنباتها عبير الوحي وعطر النبي وصوته النديّ.. هناك، في مكة، حيث تفقد مفردة المستحيل معناها ولا تعود تعني إلا الممكن.
في مكة، عندما تحتشد الألوف المؤلفة في هذه الرقعة الصغيرة، ثمة معضلة كبيرة حافلة بالتحديات الجسام، وثمة معادلة بالغة التعقيد لا بد من أن تتحقق، ولا مناص من تحييد كل فرصة لوقوع خطأ ولو كان نزراً يسيراً. إنها بكلمات أخرى عبارة عن معادلة دقيقة يتحتم فيها وجود ضمان عادل لكل فرد يكفل حقوقه في تحصيل الغذاء والدواء والأمن والسكينة والانسيابية والمناخ المناسب ليمارس حقه في التعبد وتطبيق شعائره بكل رضا وطمأنينة.
إن هذه الحقوق العظيمة من الأمور التي قد تكفل بها المولى- عز وجل- لضيوفه وزوار بيته، ومن ذلك قوله في كتابه الكريم: “ومن دخله كان آمنا”، إلا أنه تبارك وتعالى إنما يحقق ذلك من خلال تهيئة الوسائل والأسباب لتتحقق هذه الضمانات الثمينة من خلال بعض عباده ممن حملوا طوعاً هذه المهمة الجليلة غير مدخرين في سبيل أداء هذه الأمانة كل ما يملكون من جهد وصبر ووقت ومال وإنسانية.
في الحقيقة، لطالما تداول الإعلام العربي بل والإعلام الغربي أحياناً شهادات حية وانطباعات إيجابية من الكثير ممن تشرفوا بزيارة البيت الحرام حجاجاً أو معتمرين حيث يعبرون بكل حيادية وإنصاف عن رأيهم الحر في مستوى الخدمة التي يحظون بها عندما يقصدون هذه البقاع الشريفة..
إن هؤلاء المنصفين استرعت انتباههم كثرة التحديات الجسام، وقادهم إنصافهم وتجردهم إلى فهم وإدراك كافة معطيات المعادلة الصعبة، التي لا بد من تحقيقها ومنها ضرورة التخطيط الدقيق وتوفير خطوط الإمداد والدعم اللوجستي إن كان غذاءً أو سكناً أو دواءً أو تنقلاً سلساً أو حتى بيئة روحانية وادعة تغمرها الطمأنينة والسلام..
لقد أدرك هؤلاء المنصفون كل ذلك ورأوا بأعينهم، بالمقابل، كيف استطاع أبناء المملكة قيادة وشعباً تحقيق تحول المستحيل الى ممكن، والصعب الى يسير. في الحقيقة، ربما لم يبالغ أحد الأصدقاء الذي قال يوماً: “إن قيادة وإدارة هذه الحشود الهائلة في وقت قصير هو أصعب من قيادة الجيوش النظامية، فأفراد الجيوش النظامية لديهم رصيد كبير من فنون التعايش في أقسى الظروف، وبالتالي، يسهل ضبطهم وقيادتهم بعد أن انصهروا في بوتقة واحدة وهي الجيش النظامي.”
بالمقابل، إن إدارة الحشود البشرية الهائلة في موسم العمرة أو الحج ليس بالأمر الهين على الإطلاق، فالحال مختلفة هنا تماما حيث يجري التعامل مع أعداد هائلة من البشر وكلٌ منهم له طباعه واحتياجاته وظروفه وأفكاره، الأمر الذي يشكل تحدياً حقيقياً للقائمين على خدمة الحجيج والمعتمرين حيث ينبغي عليه ضبط النفس والتحلي بالصبر قدر الإمكان حرصاً على سلامة الزائرين ونجاح زيارتهم، ولعلني بدوري لا أبالغ إن قلتُ أن مما يثلج الصدر في هذا المقام تلك المشاهد التي تسجلها عدسات الهواتف المحمولة بين الحين والآخر لمواقف عفوية بين أفراد الأمن وبعض الحجاج والمعتمرين تظهر بكل وضوح ما جُبلت عليه نفوس الطرفين من أخلاق الإسلام الراسخة وشريعته السمحة.
واسمحوا لي قرائي الأعزاء أن أختم بالقول إن القيادة في المملكة العربية السعودية- وعلى مر السنين الطويلة- حرصت دائماً على الالتزام الطوعي الكامل بواجبها الأخلاقي تجاه كل مسلم على ظهر البسيطة، معتبرةً أن قاصدي الحرمين الشريفين هم ضمن مسئولياتها الكبرى، وذلك انطلاقاً من العادات والتقاليد والأعراف الإسلامية والعربية الأصيلة والضاربة في تاريخ المنطقة، إلى توظيف آخر ما تفتق عنه الذهن البشري من التقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
إن بلادي بقدر ما يسعدها إنصاف المنصفين لها واعترافهم بجديتها وجهودها، إلا أنه لمن دواعي سرورها أيضاً الاستماع إلى النقد البناء الرصين الذي يهدف إلى الارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وهو ذات الهدف النبيل الذي يسعى إليه كل مسلم يتعلق قلبه بتلك الرحاب الغالية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!