ملائكة مصر تُشيْطن غزة
فور وقوع مجزرة الجمعة الماضية في سيناء، سارع نظامُ السيسي إلى اتهام غزة بالوقوف وراءها، وتلقّف الإعلام الموتور هذا الاتهام ونفخ فيه وعاد إلى عادته القديمة التي دأب عليها منذ انقلاب 3 جويلية 2013، بشيْطنة حماس وشنّ حملة كراهية وبغضاء ضد سكان القطاع.
لا جدال مطلقاً حول حق كل دولة في صيانة أمنها والدفاع عن حدودها وسيادتها، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً الإسراع إلى كيل التهم للآخرين جزافاً، ودون دليل دامغ؛ فإلى حدّ الساعة لم يقدّم النظام المصري أيّ دليل قاطع يثبت أن منفذي المجزرة قدموا من غزة وعادوا إليها فور العملية كما زعمت بعض الصحف المصرية، أو ينتمون إلى حماس كما ادّعت أخرى.
تصوروا أن صحيفة مصرية كتبت في صفحتها الأولى عنواناً عريضاً بخط أحمر “الإرهابيون دخلوا من غزة ولا نستبعد تورط حماس؟“، واستندت في ذلك إلى ما وصفته بـ“مصدر أمني“، ولكن هذا “المصدر” لم يقدّم حُججا يؤكد بها تهمه الجزافية، بل أدان نفسه بنفسه حينما قال إن منفذي العملية “دخلوا الأراضي المصرية من غزة عبر الأنفاق، وعادوا إلى نفس المكان عقب العملية، ولم يتم ضبط أيّ منهم، ولم يتركوا أثراً وكأنهم تبخّروا“؟ أليس هذا تجنّياً سافراً على غزة وإصراراً على توريطها قسراً في ما حدث بسيناء؟ كيف عرف “المصدر الأمني” أن منفذي العملية جاءوا من غزة وعادوا إليها إذا كانوا قد اختفوا و“تبخروا” ولم يتركوا أيّ أثر يدينهم؟ ألا يُحتمل أن يكونوا قد خرجوا من أوكارهم في صحراء سيناء الشاسعة ونفذوا عمليتهم وعادوا للاختباء فيها كما يحدث في كل مرة؟ ألا يؤكد عزمُ السلطات على ترحيل سكان سيناء من منازلهم أنها تعرف جيّداً أين يختبئ عناصرُ تنظيم “أنصار بيت المقدس” وأن اتهامها لغزة مجرد ذريعة للعودة مجدداً إلى مشاركة الكيان الصهيوني جريمة الحصار؟
فور كل عملية تقع في سيناء يسارع النظامُ الانقلابي وأزلامُه من إعلاميي الفتنة والتحريض إلى توجيه أصابع الاتهام لحماس والفلسطينيين لشحن المصريين ضدهم وتبرير جريمة حصارهم، دون أن يقدّموا قطّ اسما واحدا لأي “متورطّ” فلسطيني مزعوم، ولا اعترافه، ما يعني أن النظام يريد من خلال الإسراع إلى اتهام غزة والإيعاز إلى إعلامه الحاقد بشيْطنة سكانها، افتعالَ ذريعة تمكنه من تضييق الخناق عليها مجدداً بغلق معبر رفح وإقامة منطقة عازلة بعمق 1500 متر وتدمير ما بقي من الأنفاق وإلغاء المفاوضات غير المباشرة المقرّرة بين حماس والصهاينة في القاهرة، تحت ثوب “التأجيل“، والتي كان يعوّل عليها فلسطينيو القطاع كثيراً لرفع الحصار عنهم.
كنا ننتظر أن تعمل مصر على إصلاح مواقفها وتخفيف الحصار عن غزة مراعاة لظروفها بعد الحرب، إلا أنها للأسف اختارت مرة أخرى أن تقف في صفّ العدو، وتستمرّ في المشاركة في جريمة الحصار، ولا تجد في “نخبتها” من يقف ضد هذه المناكر ويطالب بوضع حدّ لها، بل يسارع سحرة فرعون كعادتهم إلى تزيين الظلم له وحثه على المزيد، حتى أن بعض الإعلاميين دعوا الجيش المصري مجدداً إلى غزو القطاع بذريعة البحث عن “الإرهابيين المختبئين هناك؟“.. عوض دعوته إلى بسط سيطرته على كامل سيناء بأعداد كافية من الجنود عوض أن ينتظر الإذن من الصهاينة لدخول أراضيه..
لكم الله يا سكان غزة.. وعند الله الملتقى وإليه الشكوى من ظلم ذوي القربى وتجبّرهم عليكم وتجويعكم ونصرة العدوّ عليكم…