-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ملاك الوسطية يتكلم!!

ملاك الوسطية يتكلم!!

لقد أتى على الجزائر حين من الدهر كانت مزارا لخيرة العلماء والدعاة الذين أنجبهم العالم الإسلامي، من أمثال العلامة عبد الرحمان أبي زهرة، وأبي غدة، وأنور الجندي، وأبي الحسن الندوي، ومحمود الصواف، وفتحي الدريني، ومحمد الغزالي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، وحسن الترابي.. وغيرهم كثير رحم الله من لقي ربه قرير العين سعيدا وحفظ من بقي، وكلهم كانوا أئمة أعلاما في الفقه والفكر والبحث والتحقيق، والدعوة إلى الله، يزين ذلك كله سمت ظاهر، وهضم النفس، يزيد صاحبه عند الناس رفعة وجلالا.

سقى الله تلك الأيام الجميلة التي حظينا فيها بلقاء ذلك الرهط الكريم، الذي فهمنا بين يديه معنى قول أم الإمام مالك إمام دار الهجرة وهي تبعث بولدها إلى مجلس شيخه ربيعة بن عبد الرحمن الملقب بربيعة الرأي فقيه المدينة في زمانه قائلة له: يا بني اذهب إلى ربيعة فخذ من خلقه قبل علمه.

ثم يدور الزمان دورته، وإذا بالفضائيات في هذا الزمن العجيب تلمع لفيفا من الصغار الذين لم تبتل لهم قدم في بحور العلم، ولا تاريخ لهم في موكب الدعوة، تضرب لهم الطبول، ويدعى لهم الناس ليعلمونا دينا جديدا غفل عنه الأولون والآخرون، اسمه إسلام الوسطية! 

وإذا بالأخ العزيز وسيم يوسف من ملائكة التبشير بهذا العلم الجديد.

رحت أتعرف على هذا الأخ الكريم بلهف شديد لعله يحيي في نفوسنا الشوق إلى لقاء أهل العلم الذين يعد الجلوس بين أيديهم من فلتات الزمان. 

وجعلت أسأل ما وزنه في العلم والتأليف والتحقيق؟ وما هي آثاره في ميدان التربية والدعوة إلى الله؟ وكم من سنوات عمره التي قضاها في تقويم العوج الذي حاد بالجماهير التائهة عن سلوك منهج الرشد؟

يؤسفني كثيرا أنني لم أجد لضيفنا العزيز ذكرا في تلك الميادين كلها، وإنما وجدت له كثيرا من الكلام الذي هو من باب البرنامج الشهير الذي كانت تقدمه الإذاعة عندنا، المسمى “ما يطلبه المستمعون”.

كان الرجل في زمن الرجولة إنما يصنع مجده بإرادة تذيب الصخر، وصبر على العلم، ومزاحمة الكبار بالركب، ومغالبة الشدائد بعزائم تصدع الجبال، فإذا به اليوم في زمن “الفاست فود” يستغني عن ذلك كله بإطلالة من إحدى الفضائيات ليتكلم في الدين كلاما يدغدغ العواطف، ويربت على الشهوات، ولا يزعج مسامع المفسدين، باختصار يقدم إسلاما “لايت” لا طعم فيه، ولا لون، ولا رائحة، ومن محفوظاتنا في فقه المبتدئين قول الإمام ابن عاشر رحمه الله” “وتحصل الطهارة بما من التغير بشيء سلما”.

ترى ماذا يعرف ضيفنا العزيز عن الوسطية، ومحاربة الغلو التي أوحى إليه من دعاه بأنه من فرسانها، وهو الطري العود، القريب العهد بالتقلب في المهد؟ 

لو سمع منا لأخبرناه بأن الإمام في سنوات الجمر التي مرت على بلدنا كان يصعد منبره أو يدخل محرابه، وهو لا يدري هل يرجع إلى أولاده أم تكون آخر صلاة يؤديها، لو سمع منا لأخبرناه عن إخوان لنا كرام من أهل العلم والدين وضعوا أرواحهم على أكفهم وواجهوا بها الفكر الخارجي الذي أساء إلى الدين وشوه حقيقته فراحوا ضحية لقولة الحق، ودفاعا عن حياضه.

إن ضيفنا العزيز يعلم جيدا أنه لم يكن له أبدا أن يحصل على ما حصل عليه من بلده الجديد إلا وفق شروط معينة، وقد ساءني كثيرا أنني سمعته يشهد شهادة الزور في بعض إخوانه من الدعاة الذين يعانون من الظلم والقهر والتشريد، فإنها شهادة عظيمة والله سائله عنها يوم القيامة، وإذا عجز الإنسان عن قول الحق فلا يشهد بالباطل، وليس من المروءة أبدا الإجهاز على جريح. 

وأخيرا أهلا وسهلا بالأخ وسيم يوسف في بلد الشهادة والشهداء، ضيفا عزيزا كريما، وإن كنت أهمس في أذنه أن البيوت تؤتى من أبوابها، وأن مدرسة الجزائر هي مدرسة الوسطية والاعتدال، وأن “الذي يريد أن يبيع التمر فلا يحمله إلى طولقة”، ولعل مرافقه يشرح له المثل.. وأما المتقدمون فقد قالوا: “كحامل التمر إلى هجر”.

والَهَفَ نفسي على بلدي العظيم، الذي يكبر فيه الصغار ويصغر فيه الكبار..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • يونس

    صحيح أن وسيم يوسف من الاعلاميين الذين أشتهروا في تفسير الرأى .و لكن أن يكون عالما فهذا فيه نظر لان الرجل في اخر خرجاته بالجزائر قد كسر جناح من جناحي الايمان و هما الامل في الله و الخوف منه فغلب جانب الرجاء على جانب الرهبة و هذا ما فهمته من كلامه.

  • جزائري حر

    بارك الله في أناملك أستاذنا وزاد الله الجزائر كبارا من أمثالك