-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ملامح تحول جيوبوليتيكي كبير بعد الطوفان…

ملامح تحول جيوبوليتيكي كبير بعد الطوفان…

يبدو أن معركة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر الماضي ستُشكل نقطة تحول جيوبوليتيكي أساسي في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك من انعكاسات على الصعيد العالمي. وأول العوامل ذات الأثر في هذا التحول هو تأكيد فعالية الكائنات غير الدول في الصراع مع الكيان الصهيوني على الدول التقليدية، وهذا يعني أن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لتفكيك الدول التقليدية ذات التوجه غير الموالي لها في العقد الماضي من خلال الربيع العربي ومحطات أخرى، إِنْ حقَّق لها الهدف الأول، تفكيك سوريا واليمن وليبيا وزعزعة العراق، لم يُمكِّنها من البديل الملائم لتنفيذ أجندتها السياسية كما كانت تُخطِّط.
فإذا ما كانت قد نجحت في تفادي وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، فإنها لم تتمكن في كل من سورية واليمن والعراق وليبيا من تحقيق ذات الغرض. لحد الساعة مازالت هذه الدول غير مؤيدة للسياسة الأمريكية في المنطقة، وتبنَّت خط المعارضة لها بوضوح بعد معركة طوفان الأقصى، بما يعني أن سياسة التفكيك ومحاولة التركيب التي اعتمدتها الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط أسفرت عن بروز قوى غير دولتية (غير الدول) ترفض سياساتها بشكل كبير.
وإذا استثنينا سورية التي هي دولة بالمفهوم المؤسسي وتعارض السياسة الأمريكية، فإن القوى الأخرى المعارضة للسياسة الأمريكية في المنطقة هي مشكلة من غير الدول أساسا، سواء تعلق الأمر بحزب الله في لبنان أو حركة أنصار الله في اليمن أو حزب الله العراقي أو حركة النجباء في ذات البلد، وبالنظر للفعل الثوري القوي الذي قامت به حركة حماس بذراعها العسكري كتائب القسام، والجهاد الإسلامي بذراعها العسكري سرايا القدس وما تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بما في ذلك اليسارية منها في الآونة الأخيرة، يتبين لنا كيف أن التغيير الجيوبوليتيكي الذي أرادت تحقيقه الولايات المتحدة في المنطقة قبل الانسحاب نحو جنوب شرقي آسيا والمحيط الهادي للتفرغ للصين قد تم نَسفه نسفا.. لقد رأينا عودة القيمة الجيوسياسية الكبيرة للبحر الأحمر وباب المندب، كما باتت واضحة أهمية البحر الأبيض المتوسط في الصراعات الدولية، وهناك حديث عن ارتفاع قيمة مضيق جبل طارق الجيوسياسية نتيجة هذا التحول الناتج عن تداعيات معركة طوفان الأقصى، ومنه توقع حدوث تحول في القيمة الجيوستراتيجية للسواحل الجزائرية بالضرورة..
وهكذا تكشف لنا معركة طوفان الأقصى مدى هشاشة التوازنات الجيواستراتيجية في العالم، وأن هذه التوازنات تعيش مرحلة انتقال من وضع إلى آخر مما يُنبئ بصراعات قادمة لا شك فيها ليس بين الدول الكبرى وغيرها من الدول مباشرة إنما بين القوى الكبرى والكيانات الأخرى ما دون الدولة.
وهذا ما سيدفع إلى تغيير في استراتيجيات الردع والتسلح المختلفة، وما سيدفع إلى التفكير فيما إذا كانت كبرى الدول ذاتها ستعرف زيادة في حدة هذا الاتجاه بداخلها سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة ( جماعة Oath Keepers وجماعة Proud boys اللتان تتجهان نحو التسلح) أو دول الاتحاد الأوروبي (النازيون الجدد واليمين المتطرف)، أو الدول التي سَعت الولايات المتحدة والغرب إلى إضعاف المؤسسات بها باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان لفرض هيمنة أكبر عليها من قبلها أو من قِبل وكلائها المباشرين وغير المباشرين.
ومن شأن هذه النتيجة أن تُقدِّم لنا إشارة حاملة للمستقبل تقول إن زمن هيمنة القوى الكبرى على العالم قد ولّى، والفترة القادمة بالنسبة لها إنما هي لإدارة الصراع مع كائنات غير الدول يصعب التحكم فيها…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!