الرأي

منهج بن غبريط؟!

كثيرٌ من الصحفيين والكتّاب لا ينظرون إلى عمل المسؤول عندنا، بل ينظرون إلى هيئته وانتمائه لتقييم أعماله. وبذلك، بدل تنوير الرأي العام فهم يضلِّلون القراء ممن يصدّقون أقوالهم. مثال ذلك، المقال الذي صدر مساء يوم 21 جانفي في الموقع الإلكتروني لـ”كل شيء عن الجزائر” بعنوان “منهج بن غبريط” لكاتبه سمير علام.

لقد شدّنا هذا الموضوع عندما قرأنا هذا العنوان، واستبشرنا خيرا، وقلنا: لعل هناك منجزات نحن غافلون عنها في مجال التربية والتعليم. وإذا بالكاتب يعلمنا بأن السيدة بن غبريط تميزت وبرزت بين كافة وزراء الحكومة، بمن فيهم رئيس الحكومة الحالي ومن سبقه، بكونها ذهبت إلى بريطانيا وزارت يوم 21 جانفي الجاري “مؤسسات تعليمية للاطلاع على التجربة البريطانية في مجال التعليم”.. ويضيف الكاتب أن ذاك يحدث لأول مرة.. بمعنى أنه لأول مرة يزور وزيرٌ من وزرائنا بلدا، لا لتوقيع اتفاقيات بل لزيارة الميدان  !  ويؤكد الكاتب أن “منهج بن غبريط يتعارض تماما مع منهج سلفها” بن بوزيد الذي لم يزر مرة مؤسسة تعليمية في الخارج!

والواقع أن الوزيرة سافرت إلى لندن بغرض زيارة المعرض الخاص بالتربويات فكان لها أيضا أن زارت مؤسسات تربوية، كنا سنثمّن هذا التوجه للوزيرة لو أرسلت وفودا من خبراء وزارتها إلى بلدان عديدة تميزت برقيّ مناهج التعليم والأداء التربوي -مثل سنغافورة وفنلندا وبعض المدارس الروسية والتونسية وغيرها- ليأتوها بتقارير دقيقة ومفصّلة تُستخدم لإدخال التعديلات الناجعة على مناهجنا، لكن، أن تزور هي -كمسؤولة سياسية- مدرسة أو أكثر في بلد متقدّم على هامش ندوة أقيمت هناك، فهذا يعتبر”لا حدث”، بل يعتبر تشويهًا للحقائق يستحق عليها الكاتب التوبيخ.

وفي استجواب طويل للوزيرة بعنوان “مدرسة الطموح” أجرته معها صحيفة “أرابيز”Arabies   قبل 6 أشهر، أكدت أن في السبعينيات (1976) كان إصلاح المنظومة التربوية قد “خاض معركة التمدرس للجميع ونجح فيها” وأن المدرسة الأساسية “وفرت قواعد تكوين جميع الإطارات التي كانت تحتاجها الدولة في مجال التصنيع”، وهكذا كان التركيز آنذاك على الكمّ، أما إصلاح 2003 فالرهان كان “النوعية وتكوين الكفاءات الأساسية الضرورية لتسجّل البلاد تواجدها في كوكبة البلدان الصاعدة”، ذلك ما تراه الوزيرة في مقارنتها للإصلاحين، ومن ثمّ، نفهم أن هدف لجنة إصلاح المنظومة التربوية لعام 2003 (لجنة بن زاغو) التي كانت الوزيرة عضواً فيها، كان يركّز على النوعية!

وقد قيَّمت الوزيرة أعمال هذه اللجنة بأنها تميزت بـ”النضج في التفكير، والاستباق، والاحترافية” وأن “توصيات اللجنة كانت وجيهة إلى حد كبير”، تلك هي شهادة الوزيرة في أعمال اللجنة.

ثم نأتي إلى بيت القصيد، فنجدها تستدرك قائلة: “لكن تنفيذ التوصيات عرف صعوبات بسبب نقص التحضير والتوعية في الميدان”، وتضيف: “إنه من واجبي اليوم القول إن قطاع التربية لم تُوفَّر له الظروف اللازمة لنجاح العملية”، ولم تذكر الوزيرة من هذه الظروف السيئة سوى ظروف “اللاستقرار” التي تسببت فيه الإضرابات.

فهل نفهم من ذلك أن النجاح سيكون حليف هذا الإصلاح لو تقلصت الحركات الاحتجاجية؟! لا شك أن من يريد أن يقنعنا بذلك فهو يستغبانا، ومع ذلك فلا أحد ينكر أن من بين مُهْلِكات التحصيل العلمي والسير الحسن للتعليم هي الإضرابات مهما كان سببُها ومستواها، كما أننا لا ننكر أن الوزيرة كان لها أسلوبها المتميز في كسر الاحتجاجات التي أثرت سلبا في الأداء الحسن لقطاع التربية.

 

 تردّ بودالية في تعقيبها على تساؤل بن رمضان بتساؤل مماثل: كيف كان تلاميذ أدرار خلال الفترة الممتدة من القرن الـ8م إلى القرن الـ18م وخلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية متميزين في اللغة العربية ويفقدون هذا التميّز عندما أطل القرن الحادي والعشرين؟

ويبدو أنها وجدت في ذلك من يسندها بقوة، وهذا شيء جميل. وعندما نقول ذلك فنحن نتذكر من خلفته في المنصب، أي الوزير عبد اللطيف بابا أحمد، حين لم يجد سندا قويا فحَدَث مثلا أن اجتمع الخصوم في وزارة الأوقاف لوقف الإضراب بدون إشراك وزير التربية، بل كان اللقاء بإشراف الرجل الذي أنهى مهامَه الوزير ذاته، وعندما سُئل أحد ممثلي نقابات التربية المضربة: كيف يجتمعون في وزارة الأوقاف لحل مشكل إضراب يتم في مؤسسات وزارة التربية؟ أجاب النقابي بأن لا غرابة في ذلك فوزارة الأوقاف وزارة تابعة للحكومة الجزائرية!

التضليل البيداغوجي

دعنا بعد ذلك نقرأ ما جاء في جريدة “الوطن” يوم 7 جانفي الجاري في مقال لكاتبته آمال بليدي التي تردّد –بأسلوب سمير علام السابق الذكر- ما جاء على لسان مستشار الوزيرة، وهو السيد فريد بن رمضان. وحتى يتضح الربط بين هذا وذاك ينبغي الإشارة إلى أن الأستاذة مليكة بودالية كانت عقّبت على مقال جريدة “الوطن” بمقال قصير صدر في جريدة “لوسوار دالجيري” يوم 20 جانفي عنوانه “فشل لغة أو فشل بيداغوجيا؟”

وجاء في تعقيب مليكة بودالية: “لإخفاء الفشل المدرسي المبرمج عوّدنا المسؤولون على البحث عن أسبابه عند الطفل أو العائلة، واليوم ظهر مذنبٌ جديد وُجِّهت إليه أصابع الاتهام: إنه اللغة العربية”، فقد أتى المستشار بالبرهان على أن اللغة العربية هي المتسبب في فشل المنظومة التربوية، وبرهانه يعتمد على الإحصائيات والنتائج المدرسية لتلاميذ ولاية أدرار، يبدو أن المعدل العام لهؤلاء التلاميذ في اللغة العربية هو 4.87/10، وهنا تساءل المستشار و”الباحث المتميز” حسب الصحفية عن السبب، وأجاب بأجوبة صَعُب عليّ تتبعها لما فيها من إيحاءات واستنتاجات لا تظهر مبرراتها بوضوح في متن المقال.

وتردّ بودالية في تعقيبها على تساؤل بن رمضان بتساؤل مماثل: كيف كان تلاميذ أدرار خلال الفترة الممتدة من القرن الـ8م إلى القرن الـ18م وخلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية متميزين في اللغة العربية ويفقدون هذا التميّز عندما أطل القرن الحادي والعشرين؟ هذا لتشير –إن صحت المعايير- أن الجانب البيداغوجي هو المُذنب وليست اللغة.

لعله من المفيد أن نشير إلى أن “مركز البحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية” CRASC الكائن في وهران، والذي كانت تديره الوزيرة قبل توليها الوزارة، ينتسب إليه الباحث والمستشار بن رمضان، “المحلل البارع” لوضع اللغة العربية وكيفية تدريسها المفضلة، وقد أنشئ المركز عام 1992، وله موقعٌ الكتروني ثري باللغة الفرنسية، لكن إلى اليوم، بعد ربع قرن من إنشائه، لا زلنا نقرأ “موقع قيد الإنجاز” عندما ننقر على “عربي” أو “English” في أعلى صفحة الموقع لنطلع على ما فيه بهاتين اللغتين! بل إن بن رمضان ينتقد حتى تدريس مادة التاريخ في منظومتنا التربوية، مستشهدا في ذلك بمقولة الباحث الآخر في نفس المركز، وهو حسن رامون (زوج الوزيرة) حين يصرح: “إن أقل ما هو موجود في مناهج التاريخ عندنا هو تاريخ الجزائر”. وينسى هؤلاء القوم، أو يتناسون، أن أقل ما هو موجود في مركزهم هذا هو إحدى مقومات البلاد، وهي اللغة العربية، وهذا يوحي بمدى صدق النوايا في التخطيط لمستقبل أبنائنا.

وبهذا الصدد تذهب بودالية إلى الإدلاء بمعلومات غريبة مفادها أن مركز بن رمضان وجماعته هو الذي دعم قدوم دار هاشيت Hachette الفرنسية إلى الجزائر، وأن فريقا من هذا المركز هو الذي قام بتأليف كتب مدرسية لتعليم اللغة العربية، وكانت وزارة التربية قد اعتمدت عام 2003 في سياق تطبيق الإصلاح، هذا الكتاب ليتعلم منه تلاميذنا اللغة العربية! وإذا صحت هذه المعلومات، فكيف يأتي اليوم مستشار الوزيرة ويطعن في اللغة العربية ويعتبرها “لغة الفشل” بدل أن يطعن في عمل فريق مركزه الذي ألّف تلك الكتب وسهر على ترويجها؟

كل ذلك يوضح مدى التناقضات التي تتخبط فيها منظومتنا التربوية ومدى الفرق بين القول والفعل عند ساستنا وعند من نُصِّبوا على رأس وزارة التربية ليخططوا وينفذوا ما يخدم مستقبل الجيل الصاعد، فهل نرجو خيرًا ممن كان هذا منهجه؟ لا ندري، فنحن كما يردد البعض “في بلاد المعجزات”! 

مقالات ذات صلة