-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
طلقة بارود

من زهر الليمون إلى الفراشة المرتبكة ….رسالة إلى حبيبتي

نذير مصمودي
  • 6827
  • 3
من زهر الليمون إلى الفراشة المرتبكة ….رسالة إلى حبيبتي

ها قد جاء الصيف هذا العام يا حبيبتي، وليس في دارنا إلا الأطفال الذين مازالوا على فطرتهم الأولى، يعيدون لبحرنا زرقته المفقودة، ولساعاتنا الحائطية المتوقفة متعة وقتها الليلي الذي شوهته نشرات الأخبار.

  • إنهم وحدهم الذين مازالوا قادرين في هذا الزمن اليابس على الانسحاب من قحطنا، والخروج من حرائق دمنا، والتخلص من كل ممتلكاتنا المعجونة بالملح والرماد وشوك الصبّار…
  • ما زالوا كزهر الليمون، قادرين بلباسهم الصيفي الأبيض، على إنقاذ حبنا من الإعاقة، وإعلان العشق الساخن كحليب الناقة الذي مازال رغم الثلاجة، يرفض الدخول إلى عصر التبريد.
  • البارحة يا حبيبتي، رأيتم في نصف الليل، يتسللون إلى عيونك المكتظة بالكحل والضوء السائل، وينامون بين أهدابها كما تنام الفراشات بين أحضان زهر الليمون.
  • رأيتهم، يتخلصون من روائحنا الكريهة، المنبعثة في هذا الصيف من جلودنا المتعفنة، ويتفوقون ببراعة مذهلة على روائح البارود التي مازالت تعانقنا منذ أن أصدرت قبائل التتار قرارها بإقفال حدائق الياسمين.
  • لا أحد في هذا الوطن المنهوك، يستحق اسم زهر الليمون إلا هؤلاء الأطفال الذين مازالوا يقلقون روائح القنابل المسيلة للدموع، ويدافعون عن حقك كأي فراشة في صنع ألوان الشفق والربيع، ويدخلون هذا الوطن إلى مسابقة ملكات الجمال.
  • كنت البارحة سعيدا جدا، حين رأيتهم يأتون إليك من جهة البحر كطيور النورس الأبيض، ويأتون إليك من جهة جبال الونشريس كشجرة صفصاف طائرة، ويأتون إليك من جهة الجنوب كغابة نخل لها طلع نضيد، ويأتون من جهة الغرب كحديقة برتقال وعنب، ومن جهة الهضاب كسهل مكتظ بالحنطة والزعتر.
  • كنت سعيدا، رغم أن الأعور الدجّال، مازال كعادته يغرينا بالدخول إلى قصر السلطان، والانخراط في قوافل الشعراء الذين مازالوا يصنعون من أجل قيلولته، الوسائد المحشوة بالقطن والحرير، ومازالوا من أجل طمأنينته يأكلون سحت الصمت ولحم الرق المستورد من بلاد العبيد.
  • كنت سعيدا، رغم أن شوارع العاصمة التي أسستها للكبرياء والشموخ، أصبحت أضيق من شوارع “الفايس بوك”، وقلوبنا التي سقيتها لتكون طرية ندية، أصبحت متكلسة كقطع الغيار القديم، تباع وتشترى في سوق الخردة!!
  • لقد فقدت الصبر على الحزن، ولم يعد يسعدني إلا مشاهدة الأطفال، وهم يخرجون إلى الشوارع كملائكة الرحمة، ينشرون الفرح والأمل، ويقيمون بساحة الشهداء، حفلات الحلوى وأعراس السكر.
  • حبيبتي…
  • دعيني الآن، اقترف معك شيئا من هواي البدوي القديم…
  • دعيني ارتكب حماقتي الطفولية، وجنوني الجميل…
  • دعيني احتضنك كالمجانين لخمس دقائق فقط، اخترق بها في سرعة الضوء، جدار الزمن، والعصور الطويلة التي تفصل بيني وبينك منذ قرون…
  • دعيني أرجوك… أتدفق عليك كشلال بارد، لا يتوقف بسهولة…
  • دعيني في قبلة نادرة، أحول ريقك إلى نهر من عسل…
  • دعيني أعلق على جيدك الطويل ألف طوق من الياسمين…
  • دعيني أصرخ بأعلى صوتي، رغم تعدد موتي:
  • تحيا الجزائر… يحيا كل شيء رائع فيك
  • دعيني أشد يديك… أميل عليك، أقاوم وجع الليل العصبي، ووحشة الدرب التي صنعها التتار ذات ليلة.
  • دعيني يا حبيبتي أفضح مجازي، وأطوي بياني، وأناديك: “يا جزائر!!”
  • دعيني أقول لك بصراحة بدوية ساخنة:
  • مازلت أخاف عليك من ذرية “ديغول” فهل هم سلالة لا تنقرض؟!
  • لا ترتبكي حبيبتي، مادامت أشجار الليمون من هذا الوطن تصنع أزهارها.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • حسين

    بحثت في القواميس و في أبيلت الشعر و سألت الحكماء كي يدلوني على كلمة شكر تليق بك فلم أجد شكرا شكرا شكرا أستاذنا

  • rida gbs

    أمتعتنا أدبا في زمن ولى فيه الأدب، مشكور على هذا المقال الجميل الذي يتصبب عبقا ويغوص في القلوب عمقا ، و يملأ الوجدان شوقا..

  • SOUFI

    شكرا أستادنا الفاضل على هاته الكلمات الرائعات. الجزائر الحبيبة تفتخر بأبناء أمثالك. شكرا لك على هدا الفأل. لعن الله أبناء ديغول آميييييييييين