-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من سراييفو إلى نيامي

من سراييفو إلى نيامي

لأول مرة في تاريخ النيجر، هذا البلد المنسي، البعيد عن العين وعن القلب، يصنع ما يجري فيه من تقلبات، الحدث العالمي، حتى كاد يُنسي العالم الأزمة الأوكرانية، وطوفان “البريكس” الاقتصادي والمالي، والتغيرات المناخية التي قلبت فصول السنة رأسا على عقب، فأصبحت النيجر همَّ الكثير من الدول الأوربية، من هلسنكي إلى نيقوسيا، ولن نتحدث هنا عن باريس وبرلين ولندن.

الاتّحادُ الأوربي الداعم لفرنسا التي تلعب ما تبقى من “شرف” لها في القارة السمراء، يحاول بكل ما أوتي من قوة، دعم مجموعة “الإيكواس” لأجل التدخل في شأن بلد، لم تكن أحواله الاقتصادية البائسة تؤلم أحدا، وفرنسا تحاول على الطريقة الأوروبية القديمة جدا، أن تنسج لنفسها سيناريو يبيح لها التدخل في شأن بلد، عرف العالم بأسره سرّ اليورانيوم لارتباطها به إلى حدّ الهوس.

وبين هذا وذاك، تتراءى للعالم تلك السيناريوهات المؤلمة التي رسمها الغرب في تدخُّلاته في الشام وفي ليبيا، حيث تقرع طبول الحرب باسم الدفاع عن الديمقراطية، وتنتهي دائما وأبدا بالدمار الشامل والحرب الأهلية المزمنة، بعد أن تتمكّن الفتنة من كل بلد تدخله الآلة الحربية الغربية.

منذ أكثر من قرن، قام طالبٌ صربي باغتيال وريث العرش النمساوي وزوجته في سراييفو، فأعلنت النمسا الحرب على صربيا، ودافع الروس عن حليفتهم الصربية، والتهبت النيران ما بين النمسا وروسيا، وتحوّلت كامل القارة الأوربية إلى نار، كان وقودها الكثير من الشعوب الإفريقية والآسيوية، ووجد العالم نفسه يمضي أكثر من ثلاثين سنة، من حرب ضروس لم تبق ولم تذر، بتوابل نووية غيّرت خارطة العالم كما تشتهيه أوربا والغرب عموما، بعد أن جرّبت قنابلها الذرية في اليابان، وأفكار استعمارها الجديدة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

واليوم، وعلى خلفية انقلاب سياسي في النيجر، تريد أن تكرر نفس السيناريو بجعل نيامي مثل سراييفو، شرارة لحرب مرسومة نهايتها سلفا، بحثا عن تغيير جديد لخارطة، ليس من أجل عيون فرنسا فقط، وإنما كامل الغرب الذي تلقى الطعنات في مواطن كثيرة، ويريد لملمة جراحاته على رمال نيامي.

تدرك فرنسا جيدا أن تدخُّلها العسكري المباشر في النيجر قد يعيدها إلى الصفر، وتدرك جيدا أن صمتها سيزيد من عزلتها، لأجل ذلك، هي تبحث عن نفسها خلف “إيكواس” تارة، وخلف الاتحاد الأوربي تارة أخرى، والحقيقة، أنها لا تريد مزيدا من البنزين على نار اقتصادها المشتعل، لأن فقدانها للنيجر هو دقٌّ محكم لآخر المسامير في نعش الوجود الفرنسي في إفريقيا.

فرنسا لن تضيّع اليورانيوم الذي هو سبب “نور” باريس فقط، في تضييع النيجر، وإنما ستضيّع ما تبقى من شرفها وشرف الغرب الذي كان ومازال يؤمن بأن الأفارقة خُلقوا بخيرات أراضيهم لخدمته.

سراييفو 1914 غيّرت الخارطة العالمية كما أرادها الغرب، ونيامي 2023 ستعيدها كما لا يريدها الغرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!