الرأي

من شكيب وبوشوارب إلى شعابنة!

حسين لقرع
  • 5614
  • 29
ح.م

الافأثار تفضيلُ النائب سمير شعابنة جنسيته الفرنسية على منصب وزير منتدب بالجزائر، ضجّةً كبيرة في الأيام الأخيرة، وكان ذلك مناسبةً للدعوة إلى الحفاظ على المادّة 63 من دستور 2016، وعدم إلغائها كما تقترح لجنة لعرابة، حتى لا يُفتح البابُ على مصراعيه لإطاراتٍ مهاجرة أخرى ليصبحوا وزراء في الحكومات القادمة مع الاحتفاظ بجنسياتهم الفرنسية والأمريكية وغيرها.

تمنع المادّة 63 من الدستور الحالي حاملي الجنسيات المزدوجة، من تولّي المسؤوليات السامية في الدولة والوظائف السياسية، وحدّدها قانون 17-01 بـ15 مسؤولية مدنية وعسكرية، ومنها منصب رئيسِ الجمهورية والوزير الأول والوزير ورئيسيْ غرفتي البرلمان… وغيرها من المناصب الحسّاسة التي يجب أن يتولاها حاملو الجنسية الجزائرية وحدها.

وقد أثارت هذه المادّة منذ سنوات اعتراضا كبيرا لدى الكفاءات المهاجرة التي رأت فيها إقصاءً وتمييزا بين الجزائريين وتنافيا مع مبدإ المساواة، وطالبوا بإلغائها، واستجابت لجنة تعديل الدستور لطلبهم، وخلّف ذلك بعض الجدل بين مؤيّدٍ ورافض، لكنّ حادثة شعابنة الذي فضّل “التضحية” بمنصب وزير منتدب من أجل جنسيته الفرنسية، وسّعت دائرة النقاش، فهل الشخصيات المغتربة التي تتشبّث بجنسياتها الأجنبية وما تدرّه من امتيازاتٍ ومكاسب وتسهيلات، وترى في الوزارة منصبا مؤقتا تعود بعده إلى فرنسا، جديرة بأن تتولّى أعلى المسؤوليات في الدولة والحالُ أنها تتصرّف كالمتعاقدين الأجانب المؤقّتين؟

قبل شعابنة، عُيِّن عدَّة وزراء يحملون جنسيات مزدوجة كشكيب خليل وعبد السلام بوشوارب، وكانت نتائج تسييرهما كارثية لقطاعي المحروقات والصناعة؛ فقد وضع شكيب قانون المحروقات سنة 2005 على مقاس الأمريكيين الذين يحمل جنسيتهم، وكاد يبيع لهم قوت الجزائريين لولا تراجع الرئيس بوتفليقة عنه، وعاث بوشوارب فسادا في قطاع الصناعة، وخاصة ملفّ تركيب السيارات، وأصبح الاثنان متهمين في قضايا فساد كبيرة تزكم رائحتُها الأنوف، لكنّهما تمكّنا من الهروب من العدالة والاحتماء بجنسيتيهما، الأمريكية والفرنسية، للإفلات من العقاب إلى حدّ الساعة. أليس هذا أحد المبرّرات للإبقاء على المادّة 63 من الدستور الحالي؟

نقول هذا لأنّ الكثير من الناس طرحوا مسألة غرق العصابة في الفساد وقالوا إن عشرات الوزراء والمسؤولين السابقين الموجودين في سجن الحرّاش بعد أن نهبوا البلاد وأوصلوها إلى حافة الإفلاس، وطردوا الكفاءات والأدمغة، ودفعوا الشباب إلى اليأس و”الحرقة”… لا يحملون الجنسية الفرنسية ولا غيرها، وهذا الأمر صحيحٌ ولا غبار عليه، ونزيد عليه بأنّ الكثير من الذين خدموا اللغة الفرنسية ومكّنوا لها في الإدارة والتعليم ودواليب الدولة ومؤسَّساتها، لا يملكون الجنسية الفرنسية بالضرورة، وفي مقدّمتهم الرئيس السابق نفسه الذي حقق لفرنسا ولغتها ما لم تكن تحلم به، ولكن هل هذا مبرّرٌ لإسقاط المادّة 63 من الدستور وزيادة الطين بلّة؟

لا نريد التشكيك في وطنية كل المغتربين، ولا نعمِّم، فالكثيرُ منهم وطنيون مخلصون بلا شكّ، ويريدون خدمة وطنهم بأيّ طريقة، ويضعون خبراتهم وأموالهم وعلمهم تحت تصرّفه، وهؤلاء يمكنهم إفادة البلاد اقتصاديا واستثماريا وعلميا وحتى رياضيا… وينبغي العمل على تقوية روابطهم بالوطن، والاستفادة منهم، وتمكينهم من المسؤوليات المختلفة، ولكنّ هناك مناصب سامية وسيادية لا يمكن أن  تُسند إلا إلى ذوي الجنسية الجزائرية حصرا، لأنها تتعلّق بأسرار دولة، وهذه ليست بدعةً جزائرية، هناك دولٌ كثيرة تمنع ذوي الجنسيات المزدوجة من تولي مناصب سامية فيها، ومنها دولٌ كبرى كألمانيا والصين واليابان وأستراليا… لأنهم أقسموا على الولاء لأوطانٍ أخرى غير أوطانهم، فهل أخطأت هذه الدول جميعا؟

مقالات ذات صلة