-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في الذكرى الثانية لرحيل فارس مجمع الشروق:

من قال إن الموت غيَّب حضور علي فضيل؟

الطاهر دحماني
  • 296
  • 1
من قال إن الموت غيَّب حضور علي فضيل؟

 الموت حق على كل كائن حي، وهو قضاء الله وقدره الذي لا مفر منه لأحد..ومن أفضل نعم الله أن هذه المصيبة الكبرى،يبدأ وقعها المر كبيرا، ثم سرعان ما يتلاشى تأثيرها، وتتضاءل صدمتها مع مرور الأيام، وتوالي الأعوام، وتلك سنة كونية منذ بدء الخليقة، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وأعمارنا كلها بين يدي الخالق، فلله وحده ما أعطى، ولله ما أخذ. (ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستتأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وفي هذه الأيام،تمر علينا الذكرى الثانية لرحيل الأستاذ علي فضيل. فما الذي يستوقفنا في رحاب هذه الذكرى الأليمة؟ وهل الموت لم يغيب حضور علي فضيل في عقول ونفوس محبيه من الشروقيين والشروقيات، وغيرهم من عشاق رموز الجزائر،؟

إنما الميت ميت الأحياء

يشهد الله تعالى أنني مازلت مكلوما ومصدوما من هول فاجعة رحيل الفقيد، فمنذ إنتقاله إلى الرفيق الأعلى في 24 أكتوبر 2019، وشأن كثير من أنصار رموز البعد الوطني العربي الإسلامي الأصيل، لم أقو بعد على تجاوز وقع لوعة الفراق المر لهذا الإنسان الإستثنائي المتميز، وطيفه ما زال يحاصرني في كل الأزقة والأماكن التي كنا نتسكع فيها معا، في ربوع العاصمة الفيحاء المحروسة بالله، أينما حللت وإرتحلت أجده حاضرا كل صباح في الأكشاك، من خلال يومية الشروق، ومن خلال (لوغو) قناة الشروق TV، وفي مقهى اللوتس، ونادي طالب عبد الرحمان في الجامعة المركزية، وفي الحي الجامعي ببن عكنون، وفي ملتقيات الفكر الإسلامي، وفي مطعم عميروش للطلبة ومطعم ملك اللوبية في شارع طنجة، وفي فندق السفير والأوراسي والرياض والجزائر، وفي دار الصحافة بالقبة، وفي بيرغبالو والوادي والبويرة وورقلة ووهران وقسنطينة، وفي كل الأمكنة التي جمعنا فيها حلو الحياة ومرها، وصدق الحكيم القائل: ليس من مات فاستراح بميت.

إن الميت ميت الأحياء، فكم من أحياء بيننا وهم موتى، وكم من موتى بقي ذكرهم حيا في جنبات الذاكرة الجمعية للأمة أمثال فقيدنا.. كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

هيهات أن يطوي النسيان من خلف متروكا بحجم “مجمع الشروق”:

لقد إنطلق الأستاذ علي فضيل في بناء مشاريعه الإعلامية – ماديا- من الصفر، فهو لم يولد وملعقة الذهب في فمه.. ولا ينحدر من عائلة فاحشة الثراء، بل هو سليل عائلة ريفية، محافظة ومحدودة الدخل.

ويكفيه فخرا أنه نجل ذلك المجاهد، الفلاح، البسيط، الحامل لكتاب الله، الحاج مسعود طيب الله ثراه، وقد كان الفقيد منذ صباه متسلحا بقوة الإرادة، وحرارة الإيمان، وصدق العزيمة بجدوى مشروعه الواعد. ولأنه صاحب كاريزما متميزة، فقد بذل كل ما لديه من جهد وعمر ومال لتأسيس مجمع الشروق، وكان نعم الكادح لتشييد ذلك الصرح الإعلامي العتيد، والذي تظل إشعاعاته الحضارية، وبصماته الرسالية: منارات هادية،، وأسوة حسنة جديرة بالإقتداء في ساحتنا الثقافية والفنية والإعلامية والسياسية، فلا غرابة بعد ذلك أن تظل ذكراه العطرة، محفورة في أعماق الذاكرة الجمعية للأمة بحروف بارزة من تبر ونور، لأنه كان يتحسس معاناة السواد الأعظم من أبناء المجتمع، وآثر التخندق مع المغبونين والمقهورين، فكان الصوت الصادق المعبر عن الذين لا صوت لهم، وتلك هي مواصفات الخلطة العجيبة التي تمثل سر نجاحه في معترك الساحة الإعلامية الوطنية..

ساهم المرحوم علي فضيل في حدود الممكن والمتاح في علاج المرضى داخل الوطن وخارجه، وتزويج الشباب، وكفكفة دموع اليتامى والأرامل، وتمويل المعوزين من طلبة العلم، وتشجيع حفظة القرآن الكريم، وتكريم المتفوقين في شهادة البكالوريا، وتفريج كربة بعض الغارمين، وتكريم خيرة علماء الجزائر، وبناء المشافي وتشييد المساجد والمدارس القرآنية، ودعمه السخي واللامشروط للمسلمين المقهورين في ربوع فلسطين والصومال وبورما وغيرها.

والمؤكد أن من ترك صرحا إعلاميا بحجم مجمع الشروق للإعلام والنشر، ومن إستثمر في تكوين الرجال، هيهات أن يطويه النسيان أو تكون إنجازاته الإعلامية العملاقة عرضة التلاشي والإنهيار، فلكل مجتهد نصيب في هذه الفانية. والجزاء من جنس العمل وفق السنن الكونية في تنافس المتنافسين.

الشهرة الطاغية لم تقتل في نفسه البعد الإنساني الرفيع

رغم كل ما بلغه الفقيد من علو كعب في دنيا الشهرة، والانتشار الواسع على المستويين الوطني والعربي، ورغم أنه كان أشهر من نار على علم، ورغم أنه كان بمثابة شخصية إعلامية وطنية عمومية بإمتياز، يشهد له كل منصف تقرب منه، أن جوهر شخصيته، كان منحوتا من معدن نفيس، فهو لم يتنكر للقيم الإنسانية التي شب عليها..ولم يدر ظهره للمستضعفين..ولعل أقوى شاهد على سمته الإنساني: مساهماته الكثيرة في دعم المشاريع الخيرية والطبية والإجتماعية، سواء كان ذلك بشكل فردي، أو في سياق دعمه اللامشروط للفعل الخيري لجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.. كان الراحل صاحب قلب يفيض رقة وتعاطفا مع أنين المكروبين والمحتاجين.. فقد ساهم في حدود الممكن والمتاح في علاج المرضى داخل الوطن وخارجه، وتزويج الشباب، وكفكفة دموع اليتامى والأرامل، وتمويل المعوزين من طلبة العلم، وتشجيع حفظة القرآن الكريم، وتكريم المتفوقين في شهادة البكالوريا، وتفريج كربة بعض الغارمين، وتكريم خيرة علماء الجزائر، وبناء المشافي وتشييد المساجد والمدارس القرآنية، ودعمه السخي واللامشروط للمسلمين المقهورين في ربوع فلسطين والصومال وبورما وغيرها. من البقاع التي تزهق فيها الأرواح، وتسحق فيها كرامة أتباع الإسلام ظلما وعدوانا من غلاة الاستكبار العالمي..

الوفاء لنهج الراحل يقتضي الثبات على دروبه الوعرة

ما أتعس حال من كان يروم كسر عظم الخط الافتتاحي الوطني الأصيل لـ”الشروق”، لا لشيء سوى لأنها تخندقت مع الأغلبية الرافضة لمن اختطفوا ختم الجمهورية، وبالغوا في أساليب النهب والسلب والظلم والفساد، ورغم كل ما كابده الراحل من مسلسل التضييق، ومنع الإشهار، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين من بعض زملاء المهنة. وكثرة أصحاب الدعاوى القضائية التي طالما جرجرته في أروقة المحاكم والمجالس القضائية، وفداحة الخسائر المالية جراء عرقلة استثماراته في الإنتاج السمعي البصري، ناهيك على الضغوط المالية والإدارية والقضائية والإعلامية لبعض أذرع تلك القوى غير الدستورية، لكنه، بقدرة قادر، وبمنهجية تسيير غير مسبوقة، حالفه التوفيق في إيصال الشروق إلى قمة المجد والتفوق في مشهدنا الإعلامي والثقافي الواقف على أرض غير مستقرة. وإذا كان تحقيق النجاح صعبا في هذا الحقل الملغم، فمن تحصيل الحاصل أن يكون الحفاظ على البقاء في القمة أصعب، غاصة في ظل ما تعج به البلاد من تحديات ورهانات في هذا الظرف التاريخي الدقيق.

لقد كان علي فضيل يتحلى بثقافة العارف بتقلبات موازين القوة في السلطة، وكان يتحسس بفراسته ما يحيق بالمجتمع من أوجاع وأطماع، وكان يحسن الإبحار وسط تلك الأمواج العاتية. وكان يتحرك بثبات في تلك الدروب الوعرة. وأشهد أنه كان شعلة من الفطنة والذكاء في قراءته السليمة لخلفيات الأحداث والأحاديث، والوقوف بحذر على مسافات أمان معينة من الخصوم والأعداء والأصدقاء على السواء..

الوحدة الوطنية والترابية للجزائر خط أحمر في منظور الراحل:

كل الحماة اليقظين لخط “الشروق”، يدركون أن علي فضيل بذل حياته لديمومة ذلك الخط الرسالي، الوطني، الراشد، المعتدل، بعد رحيله، ترك من الشروقيين والشروقيات من يرد الصاع صاعين لأعداء الوحدة الوطنية.. ومهما كانت ضغوط المصاعب والتحديات، فضمان استمرارية مجمع الشروق في الذب على حصون الوحدة الوطنية، تقتضي صيانة الوديعة، وحفظ الأمانة، ومواصلة رحلة المسار الشروقي المبارك، كاملا غير منقوص..

ولو نهض عليٌّ اليوم من رقدته الأبدية، لكان في طليعة المقاومين الجادين للمتربصين بوحدة الجزائر. وتاريخه حافل بالمواقف الرافضة بالمساس بالوحدة الوطنية تحت أي ذريعة أو قناع، ويبقى فقيدنا ظاهرة إعلامية فريدة، لا تتكرر بسهولة، رغم كل ما كابده من مرارة التضييق والحسد والعراقيل، وهناك إجماعٌ في منظور الشرفاء المنصفين، ملخصه: وجوب التشديد على حتمية البقاء على عهد الفقيد، وإكمال المهمة الحضارية التي أفنت جسده.. فهو لم يكن مجرّد هاو للصحافة، بل كان صاحب فكرة ومشروع بكافة أبعاده الحضارية. يتمركز تحديدا في الدفاع عن مكونات ثوابت الأمة، وركائز الدولة ورموزها في زمن العولمة الطاغية، وعزاؤنا أن الشروقيين يستخلصون العِظات والعبر من مساره وأفكاره. وعدم تخييب ظنه في إيصال إشراقات شمس الشروق إلى مشارق الأرض ومغاربها.. فالصمود الصمود،، الرباط الرباط يا جنود الشروق.. والله الموفق لما فيه خير الجزائر وأهلها وأمنها واستقرارها، نأمل أن يكون القادم أفضل في برمجة ندوات موضوعاتية نوعية في فكر الفقيد ومساره، تغمده الله بواسع الرحمة والمغفرة، وجعل الجنة مستقره ومأواه، ورزق أسرته وذريته وأحبابه جميل الصبر والسلوان والاحتساب، أيها الصديق العزيز: نم قرير العين، فأمثالك لا يموتون في صمت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    لو كنتم تدركون حقيقة واقع الميت في قبره خصوصا إن كان من ذوي السوابق السيئة ما قلتم هذا الكلام ولو على سبيل المجاز ... لكن قوم لا تعقلون