-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يريد عزل الزوايا عن محيطها الاجتماعي وعمقها الشعبي؟

من يريد عزل الزوايا عن محيطها الاجتماعي وعمقها الشعبي؟

.. يرتكز المنهج التّربوي في الزّوايا على قواعد التربية الإسلامية، المستمدّة من الكتاب والسنة. ورسالة الزاوية، في هذا المجال، تهدف إلى إصلاح الفرد المسلم، وبناء شخصيته السّويّة المتوازنة، وتحصينه بدروع التقوى وسلاح الإيمان، وأخذه بجدّ إلى العلم النافع، وهدايته إلى العمل الصالح، وتحريره من العبودية للدنيا، ليعتصم بالعبودية لله، وتكون أسبابه موصولة بالله.

والتّعليم والتربية في الزاوية متلازمان. فالتّعليم تلقين للمعلومات؛ والتربية توجيه وتهذيب. التعليم يتّجه إلى العقل والذاكرة؛ والتربية تتّجه إلى النفس والروح. التعليم يهدف إلى تكوين رجال ذوي علم ومعرفة؛ والتّربية تهدف إلى تكوين أشخاص أسوياء مستقيمين. وممّا لا ريب فيه أنّ التعليم بلا تربية لا فائدة منه، والتربية من غير علم لا تحقّق ثمرتها، على الوجه المطلوب. فلا خير في علم لا يكتسي بالأخلاق، ولا جدوى من تربية لا تثمر استقامة وعملا صالحا.

ومن هذا المنطلق، فإنّ الزاوية تولي عناية كبرى للتّربية الروحية؛ باعتبارها الوسيلة المثلى للحياة الإسلامية المتوازنة المتكاملة، وذلك عن طريق دروس التزكية، ومجالس الذكر، التي تنشرح فيها الصدور، وتطمئن القلوب. فالتربية الروحية هي الّتي تغذّي مشاعر الأخوّة والمحبّة والرحمة؛ وترسّخ قيم التعاون والتضامن والتكافل. وهي التي تجعل المسلم يحرص على كمال عبادته، ليزداد قربا من الله، ويحظى بمحبته، ويفوز برضوانه. وكمال العبادة وصدقها تتجلّى ثمارها في حسن الأخلاق، وفي السلوك الفرديّ والجماعيّ، واتّزان القيم والموازين. فالميزان الذي لا يخطئ في معرفة صحّة العبادات وصدقها، هو ما تثمره في الحياة الخاصّة والعامّة، من صفاء وعدل وإحسان، وأخوّة وإيثار، ووضع مصلحة الأمّة فوق كل اعتبار..»

والهدف المنشود هو إقامة توازن بين أخذ الإنسان حظّه من الدنيا، وسعيه للآخرة. فالإسلام يدعو إلى عبادة الله تعالى العبادة التي تجعل الإنسان يقبل على الدنيا، في الحدود التي حدّدها الله؛ فيستمتع بالحياة، في غير إسراف؛ ويكون سيّد المادة لا عبداً لها. فخير الناس من واءم بين سلامة حسّه، وطهارة نفسه؛ وأخذ نصيبه من دنياه، ولم يضّيع العمل لأخراه. قال تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} القصص/77..»

إنّها الحياة الإسلامية الحقّة. الحياة الربّانية التي توازن بين متطلّبات الجسم ومتطلّبات الرّوح؛ بل تتجاوز المادّة إلى الرّوح، والدّنيا إلى الآخرة؛ وترتفع بالإنسان المخلوق إلى معرفة خالقه، وعبادته ومحبّته، وإيثاره على كلّ ما سواه، عن طريق تزكية النفس، ومجاهدتها في الله، حتّى يهديها سبيله، وتنتصر على أهوائها وشهواتها الظّاهرة والباطنة؛ فلا فلاح للنفس البشرية بغير التزكية؛ كما قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا َفأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}الشمس 7-8-9.

الدّعوة إلى العلم المرتبط بالكتاب والسنّة وربط العلم بالعمل

ومن الدّعائم الّتي يقوم عليها المنهج التربوي في الزاوية:

* أوّلا. الدّعوة إلى العلم المرتبط بالأصلين: الكتاب والسنة. فقد كانت فاتحة الوحي أمرا بالقراءة والتعلّم، وتكرّرت مادّة العلم في القرآن، خمسين وثمانمائة (850)مرّة؛ حيث وصف الله نفسه بالعلم؛ وجعل معرفة العالم بالله أتمّ وأكمل. يقول جلّ وعلا:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران18. وكلّما ازداد الإنسان علما، زادت قيمته، وارتفعت مكانته في سلّم الإنسانية. يقول تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }المجادلة11.

ونقصد بالعلم جميع العلوم والمعارف الإنسانية؛ وأوّلها وأشرفها العلم بكتاب الله، وسنّة رسوله، صلّى الله عليه وسلم، والعلوم المتعلّقة بهما؛ ثمّ العلوم الدقيقة والتكنولوجية، الّتي تحتاج إليها الأمّة في مسيرتها، لتواكب عصرها، وتحقّق تقدّمها؛ مع تمسّكها بعقيدتها ومبادئ دينها، ودون التفريط في ثوابتها وخصائصها، الّتي هي عنوان شخصيتها..»

* ثانيا. ربط العلم بالعمل؛ وذلك بإنارة السّبيل إلى العمل المقترن بالإيمان، المهتدي بالعلم؛ والحثّ على إتقان العمل، والمداومة على العمل؛ كما جاء في الهدي النبوي، فعن عائشة، رضي الله عنها، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(إن الله عزّ وجلّ يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) رواه الطبراني. وعنها أيضا، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سدّدوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله أدومها،وإن قلّ). رواه البخاري.

فالإسلام لا يكتفي بالدعوة إلى العمل، وإتقان العمل؛ بل يريد منا أن يكون العمل موصولا مستمّرا؛ حتى يدوم ثمره، ويعمّ نفعه. وما أعظم الصّوت الّذي يتردّد في الأسماع، وتأنس به القلوب والعقول، إنه قول الحق جلّ وعلا: {..وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.آل عمران136.

هؤلاء العاملون هم من ينالون شرف الانتساب إلى الأمّة؛ فإنّ العضو الّذي لا يتحرّك ولا يعمل لا يستحقّ البقاء. والأمة تحتاج، في بناء حياتها، إلى كلّ عامل يزيد في البناء؛ تحتاج إلى من يحمل القلم، ومن يحمل لبنة البناء، وتحتاج إلى من يدير الآلة، وإلى من يسيّر الإدارة.

* ثالثا. التدريب على التزام قواعد النظام، وترتيب العمل، واحترام الوقت، وتقدير قيمته، والإفادة من كلّ جزء منه، واستثماره فيما يعود بالنّفع والخير على الفرد وعلى مجتمعه. فالطالب يُلزَم بالانضباط، والتقيّد بالبرنامج اليوميّ، الذي تمتدّ فقراته، من قبل أذان الفجر، إلى ما بعد صلاة العشاء. فلا يتخلّف عن صلاة الجماعة في المسجد، ولا عن الحلقات القرآنية، أو الدروس العلمية. وهو يأخذ المثل من شيوخه، في إقبالهم على العلم، بهِمّةر وعزيمة وصبر وثبات؛ يطلبون العلم لله، ويعطونه لله؛ مع الاستزادة منه وعدم الانقطاع عن تحصيله، إلاّ حين ينقطعون عن الحياة. والمجتهدون من الطّلبة، الذين يتحلّون بأخلاق حميدة، وهمّة عالية يُقدّمون على أقرانهم؛ ويحظون بمكانة متميّزة لدى شيوخهم، وبين زملائهم.

وتحقيقا لذلك؛ يُذكَّر الطلبة، باستمرار، بتوجيهات الإسلام، الذي أعطى النظام حقّه من العناية والاهتمام، ليلفت الأنظار إليه، ويحمل أتباعه عليه. فلا يتحرّكون في ميدان الحياة إلاّ بنظام وإحكام؛ ولا يخلطون عملا بعمل؛ ولا يقبلون على العمل في غير إبانه، ولا يؤخّرون العمل عن أوانه. والعبادات التي فرضها الله سبحانه، جعلها منظّمة تنظيما محكما، من الوضوء والصلاة، إلى الصّوم والحجّ والزكاة. وطريقة أدائها هي نظام محدّد من الله. ولو نظرنا إلى الّذين تركوا في الدنيا آثارا صالحة، لوجدناهم ممّن عرفوا للنظام قيمته، وللوقت حقّه.

رسالة الزاوية تمتزج فيها الروح الدّينية الإسلامية بالروح الوطنية

*رابعا. إرساخ الرّوح الوطنيّة في نفوس الطّلبة، وتعميق شعورهم بحقوق الوطن؛ وإثارة الإحساس لديهم، للتفاعل مع قضاياه؛ بما يكفل لهم معرفة الحقوق والواجبات، والالتزام بأداء الحقوق والواجبات. وتُسخّر لهذا المجهود وسائل تربوية منها:الدروس العلمية، والمسابقات الأدبية والثقافية. وتظهر ثمارها، من خلال المقالات والخطب والقصائد الوطنية، الّتي يتبارى الطلبة في كتابتها، ويتنافسون في إلقائها؛ وتقدّم أحسن مثال لمستوى تحصيلهم العلميّ، ويقظة حسّهم الوطنيّ، وعمق وعيهم الاجتماعيّ.

تأهيل طالب العلم للحياة الجماعية القائمة على التعاون

*خامسا. تأهيل طلبة العلم للحياة الجماعية القائمة على التعاون؛ بتدريبهم على العمل التطوّعيّ الجماعيّ، خدمة لمصلحة عامّة أو منفعة اجتماعية. فبالتعاون يخدم الفرد الجماعة، بجهده وطاقته، فيعمل لخيرها، ويسعى لمصلحتها؛ وتخدم الجماعة الفرد، برعايتها وحمايتها، فتعضده وتؤازره؛ وهذا من مبادئ الإسلام ، الذي يسعى لإقامة مجتمع متعاون متكافل، تسوده روح الأخوّة والتضامن. والله تعالى يقول:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة/2 وجاء في الحديث عن أنس رصي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الخلق عيال الله. وأحبّ عباد الله إلى الله أنفعهم لعياله) رواه البيهقي. وعن جابر، رضي الله عنه، أنه، صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن يألف ويؤلف؛ ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف. وخير الناس أنفعهم للناس) رواه الطبراني.

من شأن هذه التّربية أن تعين الطّالب على مقاومة الأنانية وحبّ الذّات؛ وتعزّز في نفسه روح الإحسان إلى إخوانه، وسدّ حاجاتهم؛ وتحبّب إليه فعل الخير، والتعاون عليه؛ فتتولّد المحبّة بين الجميع، وتتوثّق صِلاتهم؛ وتكون منهم الرعاية للصغير، والاحترام للكبير. وبفضل هذه التربية، يستمرّ كثير منهم على عهدهم، طوال حياتهم؛ بل ويحرصون على التلاقي والاجتماع، في الأعياد والمناسبات؛ فيلتقون في الزاوية التي عاشوا في كنفها، وأخذوا العلم في رحابها، تجمعهم رابطة وثقى، على تباعد ديارهم، واختلاف توجّهاتهم، وتعدّد انتماءاتهم.

 المواطن الصالح الذي ننشده

هذه لمحة عن بعض محاور (التّربية في الزوايا)؛ الّتي تستهدف بناء شخصية الفرد المسلم الّذي يُحسن فهم دينه، ويُحسن العمل به. يعتزّ بهوّيته؛ ويؤمن بانتمائه الإسلاميّ الواحد، فيرفض التجزئة والطّائفية؛ وينبذ الغلوّ والعصبيّة الجاهليّة. وذلكم هو المواطن الصالح الّذي ننشده. المواطن الّذي يجعل ولاءه لدينه ووطنه؛ ويسخّر طاقاته لخدمة رسالته ورقيّ أمّته.

تلكم هي رسالة الزوايا، كما أدّتها في الماضي، القريب والبعيد، بالوسائل المتاحة، وحسب الظروف والأوضاع والإمكانات؛ وينتظر منها اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن تنهض برسالتها، على أحسن وجه مستطاع. ولهذه الغاية، كانت جهودنا متواصلة، منذ سنوات، من أجل تفعيل دورها، ورعاية مسيرتها، لتستمرّ في الدّعوة إلى سبيل الله، على منهج الله، وتواصل آداء رسالتها، في هداية الناس وإصلاح نفوسهم، وتوجيههم إلى ما فيه خيرهم في دنياهم وآخرتهم.

إنّ هذه الرسالة الّتي لا ينكر أهمّيتها إلاّ جاحد، مازال البعض يقلّل من شأنها، ويحاول النيل من مصداقيتها، ولا يقيم وزنا لأبعادها؛ بل يتجاهل دور الزوايا في إصلاح أحوال الأمّة، وجمع كلمتها، وتعزيز وحدتها وتلاحمها، والمحافظة على مرجعيتها الدينية الجامعة.

ولاشكّ أنّ هذه المنارات القرآنية، مثلما يؤجَر من شيّدها، ومن يعين على عمارتها؛ كذالك يأثم من لا يرعى حرمتها، أو يسعى لإطفاء نورها، أو تحريف مقاصدها؛ وذلك ما سعى إليه من عملوا لإنهاء دورها، محاولين عزلها عن محيطها الاجتماعيّ، وعمقها الشعبيّ؛ والقضاء على عناصر وجودها، بمصادرة أوقافها وتفويت مواردها. والنتيجة عشناها؛ ومازلنا نعيش آثارها السّيئة: الفراغ الروحيّ، والاغتراب الثقافيّ، وطغيان الحياة الماديّة، وانحسار القيم والأخلاق الإسلاميّة؛ فضلا عن الغلوّ في الدين، وسوء الفهم للإسلام ومقاصد شريعته السّمحة، حيث عرفت طائفة من شباب الأمّة ظاهرة التطرّف والتشدّد وتجاوز الاعتدال؛ وأصيبت أخرى بآفة الانغلاق الفكريّ المفضي إلى الجمود؛ واتبّع البعض منهجا لم يصدّر فكره للأمّة سوى جفاف الأرواح، واختلاف القلوب، فضلا عن تزهيد طائفة من المسلمين في قدوتهم، وحجبهم عن مصادر النور، كيلا ينفذ إلى قلوبهم.

والله وليّ الإعانة والتوفيق

والحمد لله ربّ العالمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • حميد

    السنة النبوية الصحيحة.

  • Abdou

    الزوايا ليست سوى أداة لاستغباء الشعوب و تعليم الخرافات. سواء في مصر،المغرب،الجزائر... كانت الزوايا خير معين للاستعمار. حيث كان شيوخها يأمرون الناس بعدم مقاومة المحتل لأنه من قضاء الله و قدره. في المغرب يتم دعم الزوايا بما يزيد عن 14 مليون دولار سنويا لنشر الخرافات. من مصائب الزوايا الصوفية أنهم يقولون:أنتم تأخذون علمكم ميتا عن ميت أما نحن فنأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت.

  • مصطفى

    تعليم وحفظ الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة يلزم يكون في الابتدائي في المدرسة العمومية العادية مع تعلم واتقان اللغة العربية. هذا سيعطي للطفل قوة عقلية خارقة باذن الله. لازم ان نترك إسلام فرنسا الذي يعلمنا الشعودة والقراءة على الميت و عبادة الولية والأضرحة و....

  • عادل

    نحن نحترم ونقدر دور الزوايا في نشر العلم والدين والعديد من المزايا .ولكننا نشحب أن تتدخل الزوايا في السياسة وتسمح بتواطىء منها باستغلالها في الإنتخابات وتدعيم فلان او علان كما نشحب نشر الخرافات والخزعبلات من طرف بعض الزوايا. قوموا بواجباتكم المحددة في إطار نشر العلم والدين وستكسبون احترام وحب كل الناس انه من العيب ومن التقزز انه زاوية ما تنشر تدعيمها للرئيس وتسمح باستغلالها