-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يكفكف دمعات الحرائر في غزّة؟

سلطان بركاني
  • 571
  • 0
من يكفكف دمعات الحرائر في غزّة؟

من المقاطع المؤلمة التي تتناقلها القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على الصّلف اليهوديّ والإجرام الصهيونيّ في حقّ المدنيين في غزّة، تلك التي تصوّر حرائر قطاع العزّة وهنّ يعنّفن من قبل “حثالة الأمم” وأراذل الخلق.. وهي من أشدّ الصور وقعا على نفس كلّ مسلم في هذه العالم، لأنّ المرأة في ديننا وأعرافنا خطّ أحمر دونه الرّقاب، لكنّ المؤلم أكثر أنّ تلك المقاطع لم تحرّك نخوة ولاة أمر هذه الأمّة ولم تستثر حميتهم! ما يدلّ على أنّ الأمّة قد وصلت في منحدر الهوان إلى درك سحيق لم يسبق لها أن وصلت إليه طول تاريخها!

المعتصم العبّاسيّ حرّك جيشا عرمرما، في شهر رمضان، لأجل دمعة مسلمة واحدة امتدّت إليها يد روميّ.. ونحن الآن نسمع صيحات المسلمات في غزّة ونرى دمعاتهنّ تسيل حرّى، ولا معتصم يجيب.. بل نرى الأطفال يقطّعون أشلاءً ومنهم من يصوم قهرا ويموت جوعا في غزّة، فلا رايات تعقد ولا جيوش تحرّك.. وتزيد غصص القهر حينما نتذكّر أنّ بعضا من قادة الأمّة المسلمة شاركوا قبل 9 سنوات في الـ11 من شهر جانفي سنة 2015م، في مسيرة تنديد بالإرهاب، بعد مقتل 17 من صحفيي مجلة شارلي إيبدو الفرنسية السّاخرة بالإسلام والنبيّ محمّد -صلى الله عليه وسلّم-! فأين هؤلاء من هذا الإرهاب الصهيونيّ الذي أباد -حتى الآن- ما لا يقلّ عن 33 ألف إنسان في غزة؟!

القائد المظفّر يوسف بن تاشفين جيّش جيشا من الضّراغم الأسود، عبر به البحر، لينصر قرطبة المسلمة، ويحمي حرائرها، في وجه الزّحف الصليبيّ.. ونحن الآن نشهد كيف أنّ أكثر من 50 دولة عجزت عن تقديم العون لغزّة التي تتعرّض لحرب إبادة قلّ نظيرها في تاريخ البشرية، بل إنّ من دول المسلمين من تتآمر مع الصهاينة وتترجّاهم القضاء على المرابطين، وتمدّ اليهود بالبضائع التي تمنعها عن الجوعى في قطاع غزّة، تماما كما فعل أمراء الطّوائف بإشبيلية وقرطبة قبل 10 قرون!

المسؤولية الأعظم والأخطر تقع على عاتق الدول المسلمة، لكنّ هذا لا يعفي عامّة المسلمين من مسؤولية ما يحدث في غزّة.. الأوّلون انتصروا على أنفسهم فسادوا، ورضخنا نحن لأنفسنا وتعلقنا بالدنيا فتسلط علينا الأعداء.. السابقون رفعوا راية الجهاد فدانت لهم الأمم، ونحن نكّسنا راية الجهاد ونسيناه وخوّفنا منه أبناءنا فتداعت علينا الأمم: قال الصّادق الذي لا ينطق عن الهوى: “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم”.

حتى كثير من أئمّة الأمة وخطبائها كان لهم جزء من المسؤولية، كانوا يقرؤون للأمّة قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، ولا يقرؤون لها: ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))، كأنّ هذه الآيات نسخت أو جمّد العمل بها! يحدّثون النّاس بحديث: “عمرة في رمضان تعدل حجّة”، ولا يحدّثونهم بقول الله تعالى: ((هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)).. يحدّثون النّاس بحديث: “السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ”، ولا يحدّثونهم بحديث: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد”.. يروون لعباد الله المسلمين قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا”، ولا يفسّرون لهم قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)).. يشوّقون عباد الله إلى صلاة في الروضة الشريفة ويروون لهم حديث النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ”، ولا يحدّثونهم بحديث: “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها. والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها”.

بل حتى شباب الأمّة المتديّن تعلّم أنّ الفرقة الناجية واحدة فقط وأنّها هي التي تكون على ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم- وأصحابه، لكنّه لم يتعلّم أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه عاشوا حياتهم كلّها يجاهدون في سبيل الله، حتّى أنّ مجموع الغزوات والسرايا بلغ 100 غزوة وسرية خلال 11 سنة بعد الهجرة. لم يتعلّموا أنّ هذا ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلّم- وأصحابه!

وحتّى بعض دعاة الأمّة، شَغلوا بعض شبابها بالطّوائف والأحزاب والجماعات، حتّى نشؤوا على بغض من لم يكن من طائفتهم ولو كان مجاهدا في سبيل الله، حتى سمعنا من يطعن في مجاهدي غزّة ويستهزئ بهم ويبخل عنهم بالدّعاء! لأنّهم -بزعمه وفهمه- ليسوا من الطّائفة المنصورة ولا الفرقة الناجية. مع أنّ القرآن ينطق بكلّ وضوح أنّ المجاهدين في سيل الله هم أمارة الهدى وهم المنصورون بإذن الله: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)).

ربّما حالت الحدود بيننا وبين أرض الرباط، لكن لا أقلّ من أن يعيش الواحد منّا يوميات الجهاد في غزّة بقلبه وروحه، ويتمنّى صادقا من قلبه أن لو كان معهم فيفوز وزا عظيما، ولا أقلّ من أن يجاهد نفسه في طاعة الله والقيام بأمره والانتهاء عند نهيه.

إنّنا نعيش أيام شهر الفتوحات والانتصارات، وأقلّ ما يجب على كلّ واحد منّا، أن يجدّد معركته مع نفسه وشيطانه، ويعلي همّته ويلبس لامته ويشحذ سلاحه، ويحدّث نفسه الأمّارة بالسّوء بالجهاد في سبيل الله ويتمنّاه ويتوق إليه: فـ”من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق”.

ليس يليق، بل هو حرام وعيب أن يعجز عبد مسلم في شهر رمضان، شهر الفتوحات والانتصارات، عن القيام لصلاة الفجر! من لم يصلّ الفجر في رمضان في بيت الله فمتى يصلّيها؟! ليس يليق بعبد مؤمن شابّ يُمتّع بالصحة والعافية أن ينصرف من صلاة التراويح بعد ركعتين أو أربع، في شهر الفتوحات والانتصارات! ليس يصحّ لعبد مسلم أن يرضخ لنفسه الأمّارة بالسّوء فيقضي ليالي رمضان مع البرامج التافهة ومقاطع الإنترنت المُقسية للقلب.. ليس يُقبل من عبد مسلم يعيش شهر الفتوحات أن يعجز عن ختم القرآن على الأقلّ مرة واحدة: يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: “إذا لم يختم المسلم القرآن تلاوة في رمضان شهر القرآن، فلن يختمه في سائر السنة إلا أن يشاء الله. وعدم الختم خذلان، يستوجب إدامة الدعاء، بكشف الغمة، ورفع الغفلة عن القلب”. من لم يغلب نفسه في رمضان على غضّ البصر فمتى يغلبها؟ ومن لم يغلبها على كبح اللّسان عن أعراض المسلمين فمتى يغلبها؟ ومن لم يصلح حاله مع والديه في رمضان فمتى يصلحها؟ ومن لم يتصالح في رمضان مع من يعاديهم فمتى يتصالح؟ ومن لم يرجع الحقوق إلى أصحابها في رمضان فمتى يرجعها؟ من لم يترك أكل الحرام وإضاعة الأمانة في رمضان، فمتى يفعل؟

العمر كلّه فرصة للتوبة والإصلاح، لكنّ العبد يجد في رمضان من الفرص والمحفّزات ما لا يجد في غيره، ويجد في قلبه من الخير واللين ما لا يجده في غير رمضان. ورمضان هذا العام -خاصّة- يتزامن مع نكبة تعيشها الأمّة في أرض غزّة، إذا لم تتحرّك لها القلوب فمتى تتحرّك، وإذا لم تتغيّر لأجلها الأحوال فمتى تتغيّر؟!

مجاهدة النّفس هي واجب العمر، والانتصار على النّفس الأمّارة بالسّوء هو هدف العمر، وإذا لم يقد العبد نفسه إلى الله في هذه الدنيا وهي تبكي، فسوف تقوده يوم القيامة إلى النّار وهو يبكي!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!