الرأي

من (yin) إلى (yan)

هذان الرمزان أو اللفظان يدل ظاهرهما على أنهما من عالم شرق آسيا، وبالضبط من الصين، ذلك العالم العجيب، الذي أهدى إلى الإنسانية كثيرا من المخترعات الحضارية التي تنسب إلى الغرب، وما هو في الحقيقة إلا مطوّرها. وقديما قيل: “الفضل للسابق وإن أحسن اللاحق” أو “الفضل للمبتدي وإن أحسن المقتدي”. وقد قال ابن مالك- صاحب الألفية في النحو – عن ابن معطي الزواوي: “وهو حائز بالسبق تفضيلا”؟

لقد استعمل هذين المصطلحين المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي، الذي يسميه بعض الكتّاب “ابن خلدون القرن العشرين”، وقد استعمل توينبي هذين المصطلحين للدلالة على الانتقال من حالة “ما قبل الحضارة” إلى حالة “الحضارة الكاملة”، حسب تعبير الأستاذ مالك ابن نبي، وإن كان الأمر بالنسبة إلى الصين هو “العودة إلى الحضارة”، إذ سبق لها أن كانت متحضرة، ثم تخلفت، وها هي الآن تعود إليها.

لقد استرجعت ذاكرتي كل هذه المعاني وأنا أتابع فعاليات مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي عقد مؤتمره منذ بضعة أيام، وقد أعلن رئيسه في نهاية الأشغال أن القرن الواحد والعشرين “سيكون قرنا صينيا”، وحثّ الصينيين جميعا – كل من موقعه- أن يستعدوا لقيادة العالم.

إن الصين لم تنتقل من مرحلة (yin) إلى مرحلة (yan) بـ”بركة” سيد فلان، أو “عبقرية” علاّن، الذي لم يخلق مثله – كما يقول أتباعه الأرذلون، ولكنها حققت ذلك بفضل جهد جماعي، شارك فيه المجتمع الصيني الذي كان الغربيون يسخرون منه، ويسمونه “مجتمع النمل الأزرق”، لاشتهار الصينيين بذلك اللباس المصنوع في بلدهم، والمسمى “تشانق هاي”، (مالك ابن نبي: مشكة الآفرو آسيوية).

لقد أطلق على بريطانيا في بداية العصر الحديث “مصنع العالم”، ولكن هذا المصطلح الآن صار يطلق على الصين. (مجلة العربي. أكتوبر 2010. ص 190)، فقد حققت الصين في العقود الأخيرة “أعلى معدل للنمو تحققه دولة عبر التاريخ”. (عمرو حلمي: صعود الأمم… مكتبة الآداب. القاهرة).

لقد وثق الشعب الصيني في قيادته السياسية، التي لم تكن تمارس “البوليتيك”، ولكنها قادته بالسياسة التي وصفها شوان لاي، رئيس وزراء الصين الأسبق بأنها “سياسة لا تخطئ لأنها علم”. (مالك ابن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. ص 135 ط 1988)، كما وثق الشعب الصيني في نخبته الثقافية. وثقة الشعب الصيني في قيادته السياسية ونخبته الثقافية ناتجة عن استيقانه بأنهما “لم يخوناه”، لا سياسيا، ولا ثقافيا. ومن أراد أن يعرف حالنا فليتأمل حالة قيادتنا السياسية، ونخبتنا الثقافية.. وسيدرك ما سماه الأستاذ مالك ابن نبي “انتقام الأفكار المخذولة”.

مقالات ذات صلة