-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“مهادرة”

عمار يزلي
  • 1137
  • 0
“مهادرة”

مع العشر الأواخر من شهر رمضان، وجدت نفسي قد بدأت أستحسن محاسن الصوم، وبدأت أشعر أني أصوم حبا في الصيام، لا مرغما أخاك ولا “باطل”.. صرت أشعر وبشكل غير متوقع أني قد بدأت أتغير فعلا.. شيء ما قد تغير فعلا داخلي، إن لم تكن أشياء كثيرة.. الكل لاحظ هذا، في البيت كما في خارج البيت مع الناس والمعاملات مع الجيران وفي المسجد والسوق والجيران والمعارف. قالوا لي: شعبان، مالك تبدلت في رمضان؟ قلت لهم ضاحكا: “كان عندي شعبان داخل في رمضان” شيء واحد ربما لم يتغير بعد عندي: النسيان وكثرة الكلام.

قلت في نفسي: سأرغم هذه النفس الأمّارة بالهدرة الثرثارة بالفطرة، أن أكممها وألجمها، لأنه كلما كثر كلامنا بلا فائدة، عمت الأخطاء الفاسدة، وكلما أنقص الإنسان من حركة اللسان وخاط فمه، كلما قلت أخطاؤه.

قمت بوضع ضمادة على فمي، لما دخلت البيت، حتى لا أتكلم أكثر مما ينبغي: سألت زوجتي: ما يخصك والو؟ كاين كل شي؟ وإذا يخص شيء حاجة قلها قبل ما نهدر، ما نيش باغي نهدر، على خاطر إذا بديت نهدر، راني اليوم ندير”مهاضرة”! في الواقع، لم أنتظر كثيرا إجابتها لأنها تهدر أكثر مما تتنفس وأكثر مني، وإذا بدأت، لا تنتهي، ووضعت الكمامة على فمي مثل أي خروف يكمم لكي لا يرضع، وهذا في حد ذاته معناه: خلاص، “تعطلت لغة الكلام”، مع ذلك شعرت بأني لا زال في نفسي شيء من “حتى” الكلام، فرحت أهدر تحت أنفي من خلف الضمادة اللاصقة: ممممـ..متتتـ (أريد أن أقول لهم: ما تنوضونيش قبل العصر) ممم..تتتت… أما زوجتي، فتعالى لترى ما يعجبك، منذ ذلك الوقت وهي تهدر، تهدر، حتى للمغرب. تركتها تهدر ونمت وأفقت وهي تهدر، وصليت المغرب وهي تهدر، وأفطرنا وهي تهدر، فيما خلا أوقات البلع التي فيها لا تهدر بل “تهرد”، وما بين الشدق والشدق رافال من الهداري، ونفس الموضع الأول الذي بدأته بعد الظهر: “ما كانش البصل، ما شريتش، والماكلة بلا بصل ما هي ماكلة، والبصل في الدواء، والبصل مذكور في القرآن”..وووو! نوافذ مفتوحة من عشرات المواقع على الأنترنت ذي التدفق العالي، هذه هي زوجتي.. (أما أنا، فإذاعة محلية أف على تردد موجات وطنية). لهذاـ ترونني أجتهد في التقشف من الكلام، أما هي، فما زادها تقشفي هذا إلا اكتشافا لقدراتها الصوتية وقاموسها اللغوي”المحيط”!

مع النسيان، لما أفقت، توضأت وصليت وأعدتُ اللاصق إلى فمي، لكن نسيت وخرجت به غالقا فمي إلى الحانوت لأشتري البصل الذي فيه زوجتي تحصل، الحمد لله لم أنسها وقت الصلاة. صاحب الدكان يقول لي: واش يخصك وأنا أقول له: الببب..الببب! قال لي وهو لا يدري سبب الكمامة على فمي، فقد أكون مريضا من فمي، فراح يقول لي: يخصك الببوش؟ وأنا أشير للبصل، الذي كان بعيدا عني وعنه: البببب.. البببب! وهو يرد عليّ: البرانية؟ البوعويد؟ البركوكش؟ البابربا؟ وأنا أقول له: البببب. الببب..! وهو يشير إلى كل الخضر والسلع عنده اللتي تبدأ بالباء.. إلا البصل! وأنا هذا وين زدت هبلت: البببب. البببببببب واحمرّت عيناي من الزعاف حتى كدت أن أطير عليه وأعضه في العنق وأمتص دمه وأنا صائم، لولا أن تداركت أن فمي مغلق.. عندها، نزعت الشريط اللاصق وصحت فيه حتى سمعني كل من كان في السوق: البصل! (فتح كل من كان حاضرا فمه والبائع معهم، عندما فتحت أنا فمي وتكلمت!).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • mansour si lakehal

    شكراا لك يا استا د