-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مهازل “مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية”

مهازل “مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية”

تعتمد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قائمة طويلة من المجلة التي تصنفها لكي ينشر فيها طالب الدكتوراه ويتمكن فيما بعد من مناقشة أطروحته. كما ينبغي أن ينشر فيها طالب الترقيات في سلك التعليم العالي. وبطبيعة الحال فإننا نجد في هذه القائمة الغث والسمين، وكثيرا ما يشتكي الباحثون في الجزائر من تعامل عدد من هذه المجلات من داخل البلاد وخارجها. 

يكتشف مقالا نشر باسمه 

قبل أسبوعين حدثنا أحد أساتذة التعليم العالي المتقاعدين، كان يدرّس في جامعة ورقلة. وقد تنازل عن الإشراف على أحد طلبته، وإذا به يكتشف بعد ذلك أن الطالب كان قد قام بنشر مقال في مجلة “الحكمة للدراسات الفلسفية” دون علمه ودون إذن منه. بمعنى أنه لم يعلم بنشر المقال لا بعد ولا قبل صدوره، ولم يطلع على فحواه. يحدث ذلك رغم أن قوانين الأخلاقيات السارية في الجامعات تنص بشكل صريح على أن هذا النوع من النشر يندرج في قائمة السرقات العلمية. ولتبرئة الذمة راسل الأستاذ المعني هيئات جامعة ورقلة والمجلة المعنية.  

ومما هو معمول به في المجلات الجادة أنه عندما يصلها مقال للنشر ويظهر فيه أكثر من مؤلف فإنها تراسل كل المؤلفين (كل على حدة) وتطلب موافقتهم على النشر، وتنتظر ردهم. وإن اعترض أحدهم ألغت النشر. لكن هذه المجلة لم تعمل بهذه القاعدة ما دام الأستاذ المعني لم يكاتب أصلا المجلة ولم يكن يعلم أنها نشرت المقال قبل نحو سنة ونصف خلال فترة إشرافه على الأطروحة.

وهكذا دفعنا فضولنا –وقد كتبنا عديد المرات حول ما يجري من ممارسات لا أخلاقية في المجلات “الأكاديمية”- دفعنا إلى التعرف على هذه المجلة. استغربنا مثلا في كون المقال المذكور استلمته المجلة يوم 16 أوت وتم قبوله يوم 30 أوت، أي أن فترة التقييم والمراجعة من قبل المؤلفين (إن وجدت) لم تستغرق أسبوعين ! ثم نشر المقال في مطلع أكتوبر (أي بعد أقل من شهر ونصف). وفي هذا السياق نشير إلى أن متوسط المدة المطلوبة لتقوم مجلة جادة بتقييم مقال هو نصف سنة، ويتم القبول بعد تلك الفترة إن لم تكن هناك مطالبة بمراجعة طفيفة أو عميقة من قبل المؤلف. وعلى كل حال، لاحظنا في مجلة “الحكمة” أن هذا القيد لا يعتدّ به والكثير من المقالات المنشورة فيها تم قبولها بعد فترة تعادل الفترة السابقة الذكر. وهذا ما يجعل المتابع يميل إلى الاعتقاد بأن هذه المجلة تطلب مقابلا ماديا من المؤلف للإسراع بالنشر (بمعنى أنها وسيلة استرزاق). حاولنا معرفة ذلك فأكد لنا زميلان أن هذه المجلة تفرض مقابلا ماديا على المؤلفين. لكن هذه القضية تتطلب التحقيق سيما أن المجلة لم نشر إلى هذا الموضوع في شروط النشر. 

من غرائب هذه المجلة 

من غرائب المجلة أن في صفحتها الإلكترونية نجد في الأعلى اسم رئيس هيئة التحرير وعنوانه الإلكتروني متبوعا بعبارة “المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة. ثم تأتي قائمة هيئة التحرير، وهي تضم 30 أستاذا. ذلك ما تبينه الصفحة التي تحمل عنوان طاقم المجلة. وبالموازاة مع ذلك يمكن فتح أي مقال والاطلاع عليه كاملا، والنقر على غلاف المجلة والصفحة الأولى من العدد التي تظهر في شكل بي دي آف، وتحمل تاريخ العدد ورقمه ومجلده. وهكذا لاحظنا في عدد ديسمبر 2022 (العدد 3/المجلد 10) قائمة لأعضاء هيئة التحرير تتشكل من أسماء أخرى (10 أساتذة بدل 30 أستاذا) ولا صلة بين القائمتين. والأدهى من ذلك أن أسماء ثقيلة من فلاسفة جامعاتنا موجودة في القائمة الأخيرة! ويلي هذه القائمة اسم سيدة من جامعة تيزي وزو تتكفل حسب العبارة الواردة نصًا بـ “الجمع والتصفيف والإخراج”. 

والأغرب من ذلك أن رغم أن صاحب المجلة كتب تحت اسمه “المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة” فإننا نجد في صفحة الغلاف عنوانين بريديين للمجلة، أحدهما في الجزائر العاصمة والآخر في لندن، مع الإشارة في هذه الصفحة إلى أن المجلة تصدرها “مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع” ببن عكنون (الجزائر العاصمة). فأين محل المدرسة العليا للأساتذة في هذه المجلة؟ ويظهر أيضا في هذه الصفحة عنوان إلكتروني يُطلب ممن يرسل مقالا للمجلة أن يعتمده. غير أن الأستاذ المشار إليه أعلاه كاتب المجلة على هذا العنوان فرجعت إليه مراسلته، بينما لم يرد صاحب المجلة على البرقية التي وصلته عبر البريد الذي وضعه تحت اسمه في صفحة هيئة التحرير. 

عام 2022: 269 مقالا وزعت على 4797 صفحة  

ووجه الغرابة لم ينته عند هذا الحد في مجلة الحكمة، إذ أحصينا عدد المقالات المنشورة في الأعداد الثلاثة الصادرة خلال العام 2022 فجدناه بلغ 269 مقالا وزعت على 4797 صفحة !! وهنا نتساءل: أيُّ طاقم هذا الذي يستطيع معالجة قرابة 300 مقال سنويا (إذا اعتبرنا أن بعض المقالات لم تنشر) معالجة جادة من حيث التقييم في مجال الفلسفة والدراسات الدينية (هكذا كتب اختصاص المجلة). وأيّ طاقم قادر على معالجة 4800 صفحة (دون الأخذ بالاعتبار المقالات التي لم تقبل)؟؟  

من جهة أخرى، نقرأ تحت عنوان المجلة العنوان الفرعي التالي: “مجلة دورية مستقلة محكمة متخصصة، تعنى بالبحوث العلمية الجادة والدراسات الفلسفية العميقة”!! ولذا نندهش من هذا الكلام عندما نقرأ في شروط النشر ما يلي: “هيئة تحرير المجلة ليست مسؤولة عن أي سرقة علمية أو سوء تهميش يقع فيه الكاتب”؟ ونتساءل: ما دور التقييم إن لم يكن هاجسه الأول التأكد من وجود سرقات علمية في مثل هذه المواضيع؟ !  

وما اندهشنا له أكثر من كل ذلك أن المقالات الـ 269 التي نشرتها المجلة خلال عام 2022 كلها، دون استثناء، بأقلام جزائرية من جامعات جزائرية في مجال الفلسفة والدراسات الدينية !! كيف لهذه المجلة “الجادة” وصاحبة “الدراسات المعمقة” أن تعجز عن إيجاد من ينشر فيها من خارج الجزائر بعد 10 سنوات؟ ولم تجد سوى جزائريين يهرولون إلى النشر من أجل الترقيات الزائفة؟ 

والسؤال الموضوعي: كيف تسمح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي -ومن ورائها مجلس أخلاقيات المهنة-  بأن يسترزق هؤلاء على حساب طلبة الدكتوراه والطامحين في الترقية من سلك التعليم العالي !! بل كيف توافق الهيئة المسؤولة في وزارة التعليم العالي على تصنيف مجلة من هذا القبيل ليعتدّ بها في الترقية ومناقشات رسائل الدكتوراه!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!