الرأي

مواقع العداء الاجتماعي

أرشيف

يبيّن مسار مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، بأننا بعيدون عن الطريق الواجب اتخاذه من أجل استغلال هذه الوسيلة التي يبدو من اسمها دعوة للتواصل وللعودة إلى الروح الاجتماعية المفقودة في العالم، ولن يتحقق ذلك إلا بصرامة القوانين وتلاحم الجميع وخاصة رجالات التعليم والتربية والدين والأولياء لأجل منع الانحراف الحاصل حاليا، الذي جعلنا ننام ونصحو بشكل يومي على فضيحة آنية تنسينا فضيحة اليوم الماضي حتى تشابهت الفضائح، واختلطت الأسماء والمواقع فصرنا في شبه قرية رذيلة، الكل متهمٌ فيها ونائب عام يلتمس المؤبد والإعدام.

إلى زمن قريب كانت الألسن المسمومة تلوك أعراض الناس في الجنائز والحمّامات الشعبية وفي زوايا البيوت والشوارع في غسق الليل بعيدا عن الأنظار، من دون صورةٍ ولا صوت ومن دون بلوغ الكثير من الأذان الصاغية، فلم تكن الإشاعة تدوم بضع ساعات حتى تتبخر، بينما تطير حاليا في الفضاء الأزرق فتدخل بيوت الناس من دون استئذان ويطوّرها الأفراد ويضيفون إليها مزيدا من التوابل “الحارّة والمُعلقمة” كما يشاءون، ويُحنطونها حتى تبقى مدى الحياة وصمة عار و”معايرة” في أرشيف الفضاء الأزرق، وبدلا من أن تكون الشتيمة وقذف أعراض الناس مجرد زلة لسان في زمن ومكان ضيق، أصبحت على كل لسان وفي كل مكان وزمان، والمؤسف أن الظالمين هم الطاغون عُدّة وعددا وجمهورا يقع مثلهم في الخطيئة، فلا رجل رشيد منهم يثور في وجه الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا بلهيب مواقع “العداء” الاجتماعي، التي ضربت الأحياء والأموات ونصّبت الملايين من المعلقين كنفسانيين واجتماعيين وقضاة ورجال دين يوزعون الكفر وجهنم على من شاءوا.

ما حدث لإحدى الفنانات الجزائريات في الفترة الأخيرة من تحويل حياتها الشخصية إلى حدثٍ كبير شغل سكان مملكة التواصل الاجتماعي الذين راحوا يتبادلون فيديوهاتها الحميمية وكأنهم يتبادلون التهاني، ويعطون لأنفسهم صفة الوليّ والوالي والموالاة ويدخلون في نقاشات حامية وكأن الأمر يعني مصير الأمة الجزائرية أو إحدى قضاياها المصيرية، هو جنونٌ اجتماعي يبيّن بأن وسائط التواصل الاجتماعي التي ظننا بأنها قد تُشفي أفرادا من المجتمع من وباء النميمة قد حوّلتها إلى جائحة طالت كل أفراد المجتمع وصار اللقاح الأخلاقي ضرورة عاجلة قبل أن تفنى الأخلاق وتندثر.

هناك بلدانٌ كثيرة في العالم حجبت ومازالت مواقعَ التواصل الاجتماعي لأسباب متعددة وعلى فترات زمنية ومكانية، ومنها الصين وطاجاكستان وإيران وكوريا الشمالية وفيتنام وتركيا، وربطت الحكومات أمر الحجب بالمخاطر التي تهدد الأفراد والأمة، ووصف آخرون هذه المواقع بالسلاح النائم في غمده، لكن أن يترك بين أيدي الأطفال أو المنحرفين فوجب حجبُه حالا، ولا نظن بأن ما صار يطلّ به علينا بعض الناس من وراء الستار، أقلُّ خطورة من المخدرات التي تتسرب عبر الحدود ومن الجرائم التي تفتك بالناس، إن لم نقل بأنها أخطر، لأنها أسّست لقرية رذيلة، ظننا بأنها ستقربنا من بعضنا مثل اسمها التواصل الاجتماعي، فإذا بها تنفرنا عن بعضنا في نكسة اجتماعية خطيرة.

مقالات ذات صلة