-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

موسم السجون والمحاكم

عابد شارف
  • 5354
  • 0
موسم السجون والمحاكم

قبل موسم الحصاد وموسم الصيف والعطلة، دخلت الجزائر موسم المحاكم والسجون. وقد أفادت الأخبار هذا الأسبوع أن 270 مواطنا من وهران يستعدون للمثول أمام العدالة، بينما تمت محاكمة أو إدانة 80 مواطنا من مدينة بريان، في حين يبقى عدد سكان مدينة الشلف الذين سيمثلون أمام العدالة غير معروف بالتدقيق. وفي نفس الوقت، عاد إلى الحرية 23 مواطنا من بوراشد بولاية عين الدفلى بعد أن قضوا ستة أشهر في السجن، بينما دخل تسعة أشخاص آخرين السجن لقضاء ستة أشهر بين القضبان بعدما أصدرت المحاكم حكما في حقهم.

  • هذه الأخبار عن السجون والمحاكم تشير إلى أن العدالة تعمل بكثافة في البلاد. إنها تفصل في مصير الناس بالجملة، حيث أنه من المعهود أن تتم محاكمة ثلاثين شخصا في يوم واحد مثلما حدث الأسبوع الماضي مع أهل بوراشد بولاية عين الدفلى. ولعل نفس المحكمة تتهيأ للفصل في قضية ما يقارب المائة شخص في نفس المدينة، مما يدفع بالإسراع في دراسة الملفات والمرور إلى قضايا أخرى. وإلا فإن محاكم وهران ستغرق في ملفات ما يقارب 300 شخص يجب دراسة ملفاتهم والتعرف عليهم الواحد تلو الآخر وتحديد مسئولية كل منهم.
  • وتوجد نقطة تجمع هذه المحاكمات بالجملة. إنها محاكمة جزائريين شاركوا في أعمال احتجاجية أدت إلى انزلاق نتج عنه تحطيم أملاك عمومية واعتداءات على مواطنين. لكن أسباب أعمال الشغب هذه تختلف من نقطة إلى أخرى. أما في وهران، فإن أحياء المدينة تحركت للاحتجاج ضد فشل فريق لكرة القدم. وفي بريان، فقد قيل إن المواجهات كانت طائفية. وفي الشلف، فقد كان السكان يحتجون ضد محاكمة أحد ممثليهم. وفي بوراشد، كان المواطنون يحتجون ضد تزوير الانتخابات.
  • لكن إذا تعددت الأسباب، فإن النتيجة تبقى واحدة. ففي ظرف انهارت المؤسسات، لم يجد جزائريون إطارا لتنظيم أنفسهم، ولم يجدوا من يحاورهم ليقدموا لهم طموحاتهم وطلباتهم لعله يتكفل بها. فالوزير يعيش بعيدا في عالم بعيد، والوالي يتكفل بمصيره ومصالحه في الكثير من الأحيان، مثلما أكدت ذلك قضايا البليدة والطارف، والمنتخبون المحليون لا يشكلون إلا أداة بين أيدي الإدارة المحلية في أغلب الأحيان، وحتى إن كانت لهم نية في خدمة المواطنين، فإنهم لا يملكون السلطة والموارد المالية لذلك. وأدى هذا الوضع إلى تراكم المشاكل، وانتشار الغضب، وأصبحت كل حجة، سواء كانت جدية أم تافهة، أصبحت كافية لاندلاع نار الغضب.
  • هذا السيناريو معروف. لقد تكلم عنه ألف جزائري، وندد به أهل السياسة، وعلقت عليه الشخصيات، ودرسه الخبراء. وحاولت أطراف كثيرة أن تشرح ميكانيزمات العنف، لكن كل هذا الكلام لم يجد أي صدى ولا نتيجة، ورفضت السلطة أن تتجاوب معه، ولما قالت إنها تريد معالجة الوضع، فإنها غالبا ما زادت الطين بلة. فما الفائدة إذاً من الكلام مرة أخرى عن ظاهرة أصبحت تتعب الناس، لأنها تتكرر كل أسبوع، فاعتادت الجزائر أن تعيش تتحملها بطريقة عادية، وتجعل منها الطريقة الوحيدة للاحتجاج؟
  • إن عمليات العنف الأخيرة تميّزت بثلاث خاصيات: أولا، أنها أعادت البلاد إلى »المواجهات الطائفية«. وحتى لو كانت أحداث بريان في الأصل لا ترتبط أصلا بالجانب الطائفي، فإن طرحها الإعلامي والسياسي جاء على هذا الأساس. وحقيقة الأمر أن اللجوء إلى الطائفة لا يحدث إلا عندما يفقد الإنسان كل أمل في المقومات الأخرى، من مؤسسات ودولة وعدالة ومدرسة وانتماء وطني. ويعني ذلك فشلا سياسيا واضحا. وقال ناصر جابي، أستاذ في علم الاجتماع، إن ذلك يحدث لما يفشل المشروع الوطني. والحق يقال: يجب الاعتراف أن الجزائر تقترح الكثير من الحلول القديمة البالية، سواء »البيولوجية« مثل العرش والقبيلة والمنطقة والجهوية، أو »الميتافيزيقية«، مثل الانزلاقات التي تستعمل الدين كنقطة انطلاق، للوصول إلى العنف والإرهاب والشعوذة والرقية وغيرها من الممارسات التي فرضت نفسها في أوساط المجتمع وفي دوائر عديدة في السلطة.
  • ثاني نقطة تلفت الانتباه في أعمال الشغب الأخيرة تتمثل في امتدادها إلى مدن كبيرة، مثل الشلف ووهران، وانتشارها في العديد من الأحياء، بعد أن كانت الظاهرة تقتصر لحد الآن على مدن صغيرة معزولة وأحياء هامشية. ويفرض هذا التحول على أهل السلطة أن يردوا، أو يحاولوا الرد على الظاهرة، مما يلفت الانتباه إلى ظاهرة ثالثة، وهي أن أهل السلطة مازالوا يتعاملون مع هذه الأحداث بنفس الطريقة التي كانت سائدة قبل عشرين سنة، طريقة الاحتقار واللامبالاة. ومنذ أن قال مسئول شهير إن أحداث أكتوبر 1988 كانت »لعب ذراري«، جاء السيد يزيد زرهوني ليقول كلاما مماثلا عن ماسينيسا قرماح، ثم اكتمل الأمر مع السيد دحو ولد قابلية الذي قال إن المتظاهرين في الشلف من أصحاب السوابق العدلية و»كيلاوات«. ومن الطبيعي أن تصرفا مثل هذا يجعل كل أشهر السنة مواتية لتصبح مواسم للسجون والعدالة.
  •  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!