-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

موقف.. مالك بن نبي الشاب

محمد سليم قلالة
  • 6978
  • 11
موقف.. مالك بن نبي الشاب

حديثنا عن الفارق التكنولوجي وسقف الطموح الذي بيننا وبينهم ـ بالأمس ـ ينبغي ألا يكون البتة مدعاة للهزيمة النفسية، أو للشعور بالدونية أمام الغرب، حقيقة هناك هوة تكنولوجية كبيرة تفصل بيننا وبينهم، إلا أن هذه الهوة ليست هي من تصنع الفارق وحدها، وليست هي من تصنع الهزيمة أو النصر الذي يصنع الهزيمة هو الخضوع للآخر والاستسلام له والقبول بالتخلي عن مقومات الذات التاريخية والحضارية وتقمص ذاتية الآخر وروحه، أي التخلي عن إرادة الوجود للآخر يقودها كما يشاء وإلى حيث يريد.. أما الذي يصنع النصر فهو الثقة بالقدرات الذاتية وسمو النفس وبإمكانية اللحاق والتفوق على الآخر من غير فقدان الهوية أو الجذور.

  جيل الشباب الذي مكّن الجزائر من استعادة استقلاله تحلى بهذه الروح، التي غرسها فيه العلماء والمصلحون والساسة الوطنيون، وجيل الشباب الذي سيمكن الجزائر من توطيد أركان دولته اليوم ينبغي أن يستلهم من هذه الروح روحا جديدة بعيدا عن تلك الانهزامية التي يسعى البعض إلصاقها به عنوة.

يُحكى عن مالك بن نبي الشاب أنه كان في أحد المطاعم الباريسية يتناول طعامه من غير استخدام الشوكة أو السكين، أرادت إحدى الفرنسيات “المتحضرات”  تعليمه أصول المدينة الباريسية فمرت بجانبه قائلة: les fourchettes، أي تحضّر وكُل بالشوكة… فما كان من بن نبي رحمه الله إلى أن ردّ عليها قائلا: “قد صُنعت (الشوكة) للأيدي المتسخة أما أنا فيداي نظيفتان”… فعبّر بذلك عن سمو داخلي لا مثيل له، وعن ثقة بالنفس كبيرة غير منبهرة بالغرب، وعن فهم أعمق لمفهوم النظافة لدى المجتمعات المسلمة التي لم تصل بعد إلى مرحلة استعمال الشوكة كمنتج صناعي غربي متطور…

هكذا نحن اليوم، إما أن نتفاعل مع هذا التقدم التكنولوجي الغربي الهائل المسلط علينا، بعقلية مالك بن نبي، أو ننهزم أمامه ونقتل كل بذرة تفوق بداخلنا مكررين خطاب اليائسين: بأننا لا شيء وهم كل شيء، وبأن كل شيء قد انتهى وقد فات الأوان، وبأننا لا نصلح إلا أن نكون مستعبدين… وبأن لا أمل لنا إلا بالفرار إلى الضفة الأخرى…الخ، الأمر الذي ينقل الهزيمة من مستواها المادي إلى مستواها الفكري والروحي، حيث لا نهضة بعدها.. فكيف نسمح لأنفسنا بأن نصل إلى هذا المستوى ونحن الذين نطمح اليوم أن نكمل رسالة التحرير، ونحن الذين نمتلك من الوسائل ما لم يمتلكوا، ومن القدرة على الدفاع عن النفس ما لم تكن لديهم…؟

أظن أن شبابنا اليوم أكثر حظا، وأكثر قدرة على الرد، بل وأن فيه أكثر من مالك بن نبي… الشاب…  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • جمـــال

    شكرا للأستاذ سليم لأنه في الحقيقة هذه هي النماذج التي يجب أن نقدمها لأبناءنا في الوقت الحاضر و خاصة المستلبين حصاريا

  • salah

    معك حق و بارك الله فيك فهذا ما ينقصنا و هو الرجوع و التمسك بديننا و ثقافتنا الاسلامية فهي مصدر كل قوة و عز .

  • hansali

    يا دكتور الكثير من الناس لا يفهم مغزى توضيف التراث او الموروث الحضارى

    الحقيقة وضيفته شوكة "مدرة"فى اعين اعداء النجاح بالمفهوم الواسع يستطيع الانسان ان يكون عدو نفسه
    فالموروث الحضارى اذا نفض الغبار عنه واوضف بكل جيد سيؤدى مهمة "درع النجاح" اي يمتص كل الضربات الموجهة للهدف احباط وغيره

    نا متؤكد ن هذا العامل "م ح"لا غنى عنه فى بلوغ الطموح والمعالى ومنه -التراث- +الانية يخرج المركب الجديد

    انت يا شيخ نور لا تغادرنا الجزائر تحتاجك واستراتيجيتى متطابقة تماما مع تصوركم ما شلء الله.

  • فضيلة

    السلام عليكم
    أنصح كل الجزائريين بمطالعة و لو كتاب واحد من كتب مالك بن نبي ...و شكرا

  • عبد القادر

    لو أن شبابنا المتلهف على الإلتحاق بالضفة الأخرى وبأي ثمن ،
    يحاول أن يفرض نفسه في وطنه ، حتى لو اضطر إلى إعلان العصيان المدني السلمي من أجل نهضة وطنه واللحاق بركب الحضارة العصرية
    لن يلومه أحد على ذلك مثلما يلومونه الآن على رمي نفسه في البحر من أجل نهضة الدول الشمالية ، والعيش في كنفها كأجنبي لا يحق له أن يصوت .

  • chaabane

    Malek Ben nabi avait ouvert en 1937 à Marseilles une école pour enseigner la langue française aux ouvriers algériens, les autorités françaises fermèrent cette école pour que les algériens restent toujours des ignorants et analphabètes. aujourd'hui des centaines de milliers sont des universitaires, qu'on améliore la qualité de l'enseignement.

  • فضيلة

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
    أنصح كل الجزائريين بمطالعة كتب مالك بن نبي ....و شكرا

  • يونس

    و هنا تحضرني فقرة لمالك بن نبي رحمه الله تتماشى و الموضوع حيث يقول:"و ليس ينجو شعب من الاستعمار و أجناده، إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذل مستعمر، و تخلصت من تلك الروح التي تؤهله للإستعمار. و لا يذهب كابوسه عن الشعب-كما يتصور البعض-بكلمات أدبية أو خطابية، و إنما بتحول نفسي، يصبح معه الفرد شيئا فشيئا قادرا على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديرا بأن تحترم كرامته، و حينئذ يرتفع عنه طابع "القابلية للإستعمار"، و بالتالي لن يقبل حكومة استعمارية تنهب ماله، و تمتص دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غير وضع حاكميه."

  • قادةيجب ان يقال الحق

    بعث الامل في شباب الجزائريادكتور شيء جميل جداومشكورعليه وياريت لوكان لنا الكثير من امثالك يدفعون بالشباب الى الابتعادعن الاتكال على الغير في كل شيء وهو في بلد لاينتج غذائه ولايصنع مقدرات حمايةبلده والدفاع عنه.اضف الى ذلك المحيط الذي يعيش فيه للاسف الشديدكل بوادره مثبطةللعزائم والارادات وكاسرةللعظام حيث ان اي انسان عنده امل في الحياة ينسف من شدةوقوة العوامل المضادة للامل وتعمل من اجل ابعاده.الايدي الغيرنظيفةلمسؤولي النظام بالتعاون مع الايدي الملطخةبالجال لشباب علموه الاتكال لاينتظرمنه الا شيءهزال

  • salem 17

    السلم عليكم -كلمة حق و شكر
    والله لقد فرحت كثيرا لرجوع واطلالة الاستاذ سليم قلالة الذي نعتبره ولا نزكي على الله احدا من رجلات الفكر و القلم النزيه و الوطني الذي يحب وطنه ويقدم ما هو نظيف . قرات له في العشرية الثامنة من الالفية السابقة في جريذة افاق العربية وكانت له اسهامات فكرية تربوية
    اما بالنسبة لهذا الموضوع فارى ان الانهزامية هذه ليست في الوسط المعاش ولكن في ما نحمله من اعتقاد ان الاخر اقوى و اذكى و..منا
    والدليل هو وجود طاقات وقدرات بشرية عربية جزائرية عندها مفتاح ادارة التكنولوجيات لم يراعو ا

  • هدهد الدريقات

    ونظرية القابلية للاستعمار ما رأيك فيها ؟

    "قد صُنعت (الشوكة) للأيدي المتسخة أما أنا فيداي نظيفتان"...رد في منتهي الروعة.