-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

ميراث النّبوّة قيم وأخلاق

أبو جرة سلطاني
  • 340
  • 0
ميراث النّبوّة قيم وأخلاق

من عرف الله أدرك الحقّ عن طريق رسله الذين جاءُوا بتعليم متواتر وحيًا من عند الله، فأخذ عنهم عبادُه الصّالحون الشّرْعة والمنهاج فأصلحوا به أنفسهم وساسوا به أقوامهم، فكانوا بهذه السّياسة قومًا صالحين باهتبالهم فرص وجودهم في الحياة الدّنيا أخذًا بأسباب الصّلاح فأصلحوا أحوالهم ونشروا العدل في الأرض وطوّعوا سلطان الحكم لخدمة الحسنى بإرشاد النّاس إلى ما ييسّر عليهم حياتهم ويفتح أمامهم آفاق التّعاون على استكمال عموم الصّلاح.

هذا ما صنعه ذو القرنيْن مع القوم الذين وجدهم يتنازعون الحُكم والسّلطة والثّروة حول عين حمئة، فلما أقرّ فيهم العدل انتظمت حياتهم على منهج وسطيّة الشدّة مع المفسدين واللّين مع المصلحين بجزاء حسن وقول ميسور لهؤلاء وهؤلاء، واصل مسيرته تلقاءَ مشرق الشّمس: ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا)) (الكهف: 89- 91).

لمّا بلغ مطلع الشّمس وجد قوما يسكنون أرضا منبسطة، لا جبال فيها ولا غابات ولا تلال ولا هضاب، أرضا ملساء لا عازل لها من سواتر الطّبيعية كالجبال وسواها ولا من عرائش تقيمها يدُ الإنسان، وهو ما تدّل عليه صيغة: ((لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا)) (الكهف: 90)، ليس بينهم وبين الشّمس ستار؛ فإذا طلعت عليهم من مشرقها لا يواجهها أيُّ ساتر، فتمتد في الأرض ناشرة أشعّتها وحرارتها عليهم دون أدنى غطاء طبيعيّ أو ساتر صناعي، فهم في عراء شبيه بالصّحارَى الممتدّة بين الأفق والشّفق.

لم يغير ذو القرنين سياسته الأولى مع من كانوا يتحرّكون تحت الشّمس من غير سواتر؛ فقد ألزم نفسه بهذا المنهج القويم مع أهل المشرق ومع أهل المغرب، فساسهم بما كان مسطّرًا عنده من عدل يعاقب الظّالم ويكافئ المحسن. فالعدل لا يتغيّر بتغيّر البيئات ولا يتبدّل بتبدّل أحوال النّاس، فهو عدل مع أهل الحاضرة الذين كانوا يعيشون جوار بحيرات عظمى تمتدّ على مساحات شاسعة من الأرض حتّى كأنّ الشّمس تغرب في عينها. وهو عدل مع أهل الباديّة (وسكّان الصّحاري) الذي لم يجعلوا بينهم وبين الشّمس حجابا بسبب العادة أو لأنهم أقوام بدائيّون لا يحسنون تدبير شؤون حياتهم: “كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا” الكهف:91، أحاط الله بأحوالهم فأرسله إليهم.

لما بلغهم أقرّه الله على سيّاسته القويمة لإصلاح من فسد وهو العليم بما في نفسه من نيّة فعل الخير والسّعي في نفع من تصلهم قدماه بين المشرق والمغرب. فلم يعد بحاجة إلى مزيد علم ولا إضافة تعليم، بعد أن أتاه الله من كلّ شيء سببا، فعلم أنّ علم الله به سابق في غيبه محيط بما لديه من كفاءة وقدرة وقوّة وفقه بأسباب العدْل وبسيّاسة المجتمعات. فهو عليم بما سيفعله قبل أن ينبو منه وقبل أن تنعقد به نيّتُه.

فقه ذو القرنيْن أنّ الصّلاح العام يرتكز على ثلاثة عوامل رئيسة تتضافر وتتساند لتصنع من الإنسان قيّادة رشيدة وحاكمًا مسدَّدا وسيّاسة بنّاءة بقطع النّظر عن جنس المرء وإيمانه وتقواه أو كفره وفجوره. فالعدل قيمة مطلقة غير منحازة؛ فإذا انحاز إليها الإيمان أو دخلت هي على قلب مؤمن صارت لها طلاقة القسْطاس المستقيم بما يضاف للعدل من إحسان. أمّا إذا انفكّت عن الإيمان قادها الخير العامّ إلى الانتصار للمستضعفين ومناهضة الظّلم والطّغيان ومقاومة الفساد في الأرض. وهو ما صنعه شعراء الصّعاليك ولم يكونوا مؤمنين وما أدركوا الإسلام ليكونوا محسنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!