ميلاد صفيّة!
ماذا لو قُدِّر لصفية بنت عائشة بنت معمر القذافي أن تولد وجدّها مايزال ملكا لملوك إفريقيا كما كان يدّعي ويزعم، ووالدتها بنت الزعيم وريحانته، أمّا والدها فعسكريّ بارز من أصحاب الحل والربط في البلاد، وأخوالها أحدهم يخطط للتوريث، والثاني يملك مفاتيح كنوز ليبيا جميعا، والثالث قائد كتيبة النخبة العسكرية والرابع يلهو ويمرح في أوروبا ويحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم شهير مثل ميسي!
-
ألم يكن ممكنا أن يجعل العقيد المخلوع من يوم ميلاد حفيدته عيدا وطنيا يُصدر فيه مرسوما تهلّل له اللجان الشعبية، وتتباحث بشأن تفاصيله المؤتمرات الجماهيرية من أجل مباركة الميلاد الجديد وتناقش بعده سبل تدعيم نسل قائد الثورة المظفر إبان حربه الجديدة. وربما كانت الفضائيات الليبية على غرار الجماهيرية والشبابية وغيرهما، أوقفت كل البرامج ومسلسلات رمضان وأجلّت الاحتفال بعيد الفطر المبارك إلى ما بعد التهليل والتطبيل والتبريك لميلاد صفية، وقد يخرج علينا المشعوذ يوسف شاكير أو المدعية هالة المصراتي ليقولا إن صفية ستنتصر للقائد بصرختها الأولى في الدنيا، وأنها هتفت من بطن أمها فقالت: “الله، معمر، ليبيا وبس”!
-
ولاشك أن الأفراح والليالي الملاح والمسابقات الوطنية والدولية في الفن والرياضة والموسيقى كانت ستقام لعيون صفية، ولم يكن مستبعدا تخصيص القذافي جائزة دولية للشعر أو للأدب في التغزّل بصفية، وقد كان ممكنا جدّا أن تسيّر مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية قافلة لإغاثة الصوماليين تحت اسم صفية. وأن ينتج المنتجون ويمثل الممثلون ويُخرج المخرجون قصصا وأفلاما وروايات تحكي ميلاد صفية، وكيف جاءت للدنيا، وربما كان البعض سيقول واهما ومتخيلا، إن صفية انضمّت بمجرد إبصارها النور لثورة جدّها وأخوالها، وقرّرت المشي في الزحف المقدس، وستخرج في تسجيل صوتي جديد عبر قناتي العروبة والرأي لتقول… طز في الناتو والثوار وفي محمود شمام!
-
لكن صفية شاءت لها الأقدار أن تولد على الحدود وأمّها هاربة من قصرها الفرعوني في باب العزيزية، نحو المنفى الاضطراري، جاءت إلى الدنيا دون أن يُقبّلها جدها معمّر المختفي في أحد الجحور بعدما جرّب لأربعين عاما حياة القصور، جاءت من دون أن يُغدق عليها الملوك والرؤساء والأمراء والعشائر والوجهاء بالهدايا والعطايا والكنوز. صفية وُلدت في اليوم الذي تم فيه العثور على خالها خميس مقتولا في جنوب ليبيا، وفي اليوم الذي ضاع فيه أثر سيف الإسلام والمعتصم وصديقته الشقراء، وُلدت أمام ناظريّ خاليها محمد وهنيبعل، وبين أحضان جدتها صفية التي بدأت حياتها ممرضة وانتهت إلى ملكة هاربة ومطاردة… فسبحان مالك الملك، يُؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويُعزّ من يشاء، ويُذّل من يشاء.