-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مُتّحدون فقط في الأحزان؟!

محمد حمادي
  • 664
  • 0
مُتّحدون فقط في الأحزان؟!
ح.م

رايات المجد والإباء التي رفرفت خفاقة فوق جثامين شهداء الواجب الوطني، الذين قضوا في فاجعة بوفاريك، وما صاحبها من ملاحم التضامن، التي ضرب من خلالها الجزائريون أروع الأمثلة في التآزر والتلاحم، سرعان ما خفت أوارها، وخمد لهيبها في الأفئدة للأسف، بعد ما صدر لنا أشباه الأنصار، مشاهد مخزية من ملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة، الذي احتضن مباراة نصف نهائي كأس الجمهورية، التي نشطها فريقا شبيبة القبائل ومولودية العاصمة، فسالت الدماء عبر المدرجات، التي تحولت إلى ساحة وغى يتراشق فيها الجميع بالحجارة وسائر المقذوفات، ليسقط العشرات من الجرحى!
مرّة أخرى يعود خطاب العنف ليبصم على عداوات أخرى بين أبناء البلد الواحد هم في غنى عنها، بسبب جلد منفوخ ينط هنا وهناك، تتبعها أرجل لاعبين تائهين في الميدان؛ فغابت الفرجة والمتعة التي من المفترض أن تهديها “الساحرة المستديرة” لعشاقها، وحلّت محلّها لغة الكراهية، التي باتت تصدح بها حناجر تنبعث منها حمم الجهوية والعنصرية، حيث افتقدنا اللوحات الفنية والأهازيج الجميلة التي يصنعها الأنصار، وأصبح الرشق بالحجارة والألعاب النارية في حكم العادي، في مشاهد مخزية، أصابت الروح الرياضية في مقتل، وباتت تنذر بعواقب وخيمة، في حال لم تتدخل الجهات الوصية مرفوقة بمختلف الفاعلين في ميدان الكرة لوقف هذه المهازل.
لكن ماذا لو سقطت أرواح في المدرجات؟ من نلوم حينها: اللاعبين الذين لم يقدموا ما عليهم في الميدان؟ أم الحكم الذي صفّر مُخالفات خيالية؟ أم الأنصار الذي قدم أغلبيتهم إلى الملعب وهم تحت تأثير المخدرات والمهلوسات والخمور؟ من يتحمّل المسؤولية في هذا “الخزي” الكروي؟ إدارة الملعب التي منعت الآلاف من المشجعين، ممن لا يحوزون تذاكر الدخول إلى المدرجات؟ أم أولئك الأنصار الذين بدأوا المباراة عبر “فايسبوك” فشتموا وسبّوا وتوعدوا بالانتقام؟ أم نظراءهم في الجهة المقابلة، الذين ردّوا عليهم بالمثل وأقسموا بإذاقتهم الويل؟
مثل هذه المشاهد المؤسفة، التي لا تشرف الرياضة الجزائرية، أبانت عن حجم الانفصام الذي أصاب مناصري الأندية في بلادنا، فهؤلاء الذين أعجبوا، مؤخرا، بمقصية “الدون” كريستيانو، التي أهدت جمهور ريال مدريد هدفا “خرافيا” في شباك جوفنتوس، وتفاعلوا مع تصفيقات أنصار “السيّدة العجوز”، متمنين أن تسود الروح الرياضية في ملاعبنا، هم نفسهم الأنصار الذين تبنوا خطاب الكراهية والعنف في مباريات البطولة “المنحرفة”!
التساؤلات التي لم يجد الجزائريون إجابة شافية ووافية عنها هي: لماذا أضحت كرة القدم مصدرا لتعاستنا؟ لماذا أصبحنا نزرع فقط الأحقاد في ملاعب الكرة ونجني أشواك الكراهية؟ كيف تحولت مباراة في كرة القدم إلى عداوة دائمة بين سكان عدد من الولايات؟ لماذا لا تكون ملاعبنا مصدرا للفرح، تهدي الجماهير فنيات كروية؟
الحقيقة، هي أنّ الجزائريين الذين بصموا على أقوى الملاحم البطولية في التضامن بينهم، فكانوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، أظهروا للعالم بأنهم متحدون ومتآزرون فقط في المحن والأحزان، ومتفرقون في الأفراح، حيث أصبحنا نضرب لبعضنا البعض موعدا مع الكراهية والحقد في كل مرّة، ولا نترك أيّ مناسبة، حتى ولو كانت مباراة كرة قدم عادية، لنذيق بعضنا البعض كل صنوف الاحتقار والذلّ والمهانة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!