الرأي

“مِحنة” السياحة وجواز سفر كندا!

محمد حمادي
  • 1191
  • 1

المنحة الزهيدة من العملة الصّعبة التي يحصل عليها الجزائريون على وقع طوابير مكتظة وقودها التدافع والتلاسن أمام شبابيك البنوك من أجل مائة وسبعة أوروهات، أظهرت حجم البؤس والشقاء الذي أضحى يصدّره هذا البلد لمواطنيه، وكيف أصبح بعض المسؤولين على قطاعات هامّة، لا يتوانون عن تدمير ساكنة هذا الوطن ماديا ومعنويا ويتفنّنون في إلحاق الأذى النفسي بهم؛ فلا هم تمتّعوا بخدمات راقية وبأثمان معقولة في المرافق السياحية ببلدهم ولا هم تمكنوا من الحصول على منحة سياحية محترمة تكفل لهم قضاء عطلة مريحة في الخارج!
المنحة السياحية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تؤمن حتى مصاريف المبيت لليلة واحدة في فندق محترم بأوروبا، هي إهانة في حدّ ذاتها للجزائريين، الذين يتملكهم الحزن والحسرة وهم يشاهدون نظراءهم بدول الجوار، يحصلون على أكثر من 2000 أورو ليتمتعوا بعطلة مريحة في الخارج، ويذهبون بعيدا عندما يقارنون ما لا يقارن، عندما يرون بأم أعينهم السائح الكندي، الذي يستل جواز سفره المزود بشريحة خاصة، تمكنه من سحب الطعام والشراب من الآلات المثبتة في الساحات العمومية بعاصمة الجن والملائكة، في حين يتفقد الجزائري جيبه، فيجد أن المنحة السياحية التي نالها بشق الأنفس صرفها في اليوم الأول من حلوله بالديار الأوروبية، أمّا جواز سفره يحمل ملحوظة “عظيمة” تخبره أن هذه الوثيقة شخصية ولا يمكن إعارتها ولا يجوز إرسالها عن طريق البريد!
لكن هل مِحنتنا محصورة فقط في بضعة أوروهات نحصل عليها كل عام من البنوك لنسافر إلى الخارج؟ للأسف، مصائبنا عديدة ومتعدّدة ومحننا معقدة ومتشابكة، مكمن ضعفنا ليس فقط في المنحة الزهيدة التي تمنحها البنوك، مواطن وهننا هي السياحة التي دمرناها بثقافتنا البالية عبر سلوكيات غير حضارية أتت على المتاحف الطبيعية وخربت فضاءات التسلية والترفيه، وحولتها إلى وكر لممارسة شتى صنوف الانحلال الأخلاقي.
لقد برعنا في تقديم الخدمات البائسة والمعاملة الفجّة في هياكلنا السياحية، حتى أصبح الجميع ينشد ترانيم الرحيل والفرار بجلده كلّ صيف علّه ينسى العذابات التي ذاقها.
مصيبتنا الأكبر، هي أنّنا لم نستثمر في شواطئنا الخلابة الممتدة عبر آلاف الكيلومترات، حيث المناظر السّاحرة، لم نولِ أهمية لغاباتنا التي تصدرّ الهواء العليل، لم نساهم في الترويج لصحرائنا لتكون أفضل وأروع وجهة يقصدها الزوار من أصقاع العالم.
لكن ماذا لو راجعنا الخدمات التي توفرها الهياكل السياحية في بلادنا؟ ماذا لو اتبعنا نظام أسعار يتوافق مع القدرة الشرائية للمواطن؟ ألا تساهم مثل هذه الآليات في إنعاش السياحة على الأقل الداخلية؟
الحقيقة، هي أنّ غيوم الضغط النفسي الممزوجة بمشاعر البؤس والشقاء التي تلبّد سماء الجزائريين تدفعهم في كل مرّة إلى حزم حقائبهم ليسيحوا في أرض الله الواسعة، بحثا عن السكينة والطمأنينة التي توفرها هياكل سياحية محترمة في بلدان فهمت معنى السياحة، وراحت توفر كل الوسائل وتبدع في كل مرّة طرائق لجلب الزوار من كلّ بقاع العالم؛ فتحوّل الجزائريون إلى أرقام تتباهى بها دول عرفت كيف تسرق هؤلاء الزبائن، الذين أمضوا منذ سنوات عقودا طويلة الأمد مع هياكلها السياحية.

مقالات ذات صلة