الرأي

نتفق كأفراد.. نختلف كمجتمع!

محمد سليم قلالة
  • 3028
  • 7

على المستوى الفردي، كلنا نريد الإصلاح، نبحث عن الأحسن، نتطلع نحو الأفضل.. على المستوى الفردي، نرفض الإساءة إلى الجار، أو التلفظ بالكلام البذيء، أو عدم تربية أبنائنا على الخلق الحسن.. على المستوى الفردي، نتفق جميعنا على أنه علينا ألا نُلوِّث الطبيعة، ألا نرمي بالنفايات حيث كان، ألا نتطاول على حق الناس في العمل أو في الطريق أو في أي مستوى كان.. كلنا فُرادى نحب النظافة والنظام ونريد أن يسود القانون، ونرغب في العمل، ننتقد فوضى ركوبنا الحافلة أو الطائرة وعدم وقوفنا صفا منتظما للقيام بأي معاملة أمام الشباك..

على مستوى حديثنا اليومي، نمقت الغش والتزوير والخيانة ونفتخر بالقيم السامية ولا نتوقف عن الإشادة بغيرنا ممن يَتحلّون بها من جميع شعوب العالم، ونحب كأفراد أن نكون مثل اليابانيين وفضلا عن ذلك أن نبقى مسلمين..

في أعماقنا، نريد أن نكون أفضل ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان اليوم، بل نتطلع إلى ذلك ونأمل الحصول عليه، إلا أننا كجماعة، كمنظومة، كمجتمع، غير قادرين على أن نكون كذلك. غير قادرين على أن ننقل تطلعنا الفردي هذا إلى المستوى الجماعي، وأن نصوغ من خلاله المجتمع الذي نريد.. لماذا؟

لأننا لا نملك سياسات عامة بإمكانها تحويل تطلعاتنا الإيجابية على المستوى الفردي إلى نظام عام يسود المجتمع. ليست لدينا سياسة تربوية قائمة على أساس منظومة قيم واضحة تسعى إلى تكوين الناشئة وفق قواعد صحيحة. وليست لدينا مؤسسة دينية تقوم بهذا الدور ضمن منظور ثقافي وحضاري واضح. وعلى مستوى اتخاذ القرار، لا نمتلك نخبة لديها رؤية منسجمة تحمل مشروعا وطنيا متكاملا همُّه الأول والأخير تكوين الإنسان. كل ما لدينا هو سياسات متضاربة لمواجهة مشكلات يومية كثيرة التفاصيل، أو محاولات خفيَّة تقوم بها أطراف غير بريئة لمنعنا من أن نكون مجتمعا متجانسا تحكمه منظومة قيم واضحة المعالم.

لذلك، أصبحنا كأفراد نتصرف بالفطرة التي فطرنا الله تعالى عليها، أما كمجتمع، فكنتيجة للسياسات العامة الخاطئة التي فُرضت علينا فرضا. وعكس ما نُحب أن نكون عليه تماما.. 

هي إذن مشكلة أساسية نعيشها، وعلينا البحث عن حل لها خارج نطاق القضايا الفرعية التي كثيرا ما نعتبرها شغلنا الشاغل.

علينا أن نُدرك أننا لن نستطيع أن نصوغ مجتمعا بطريقة جديدة إذا ما واصلنا اعتبار المشكلات المادية هي الأصل حتى ولو صرفنا الملايير من الدولارات وانتظرنا قرنا بعد الآن، ولكننا نستطيع بتركيز جدِّي على نوعية السياسات العامة التي نعتمد، ونوعية النخبة التي تقررها وتنفذها، ونوعية القيم التي تحملها أن نبدأ في الانتقال، وفي المدى القريب إلى حالة من التطابق بين تطلعاتنا الفردية الفطرية، وواقع المجتمع الذي نعيش فيه.. وعندها فقط تكون البداية الصحيحة لاستعادة الأمل.. فهل نختار هذا الاتجاه؟

مقالات ذات صلة