نتنياهو و”أصدقاؤه” العرب
في عزّ العدوان الإجرامي على غزة، صرّح رئيس وزراء العدوّ متبجحاً بأن هناك “تحالفاً استراتيجياً” قد عُقد بين الكيان الصهيوني و4 دول عربية، وعدّ ذلك من أهمّ المكاسب السياسية للعدوان، وقد تلقف وزيره للخارجية هذا التصريح ودعاه إلى “استثماره” لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية مستقبلاً.
واليوم يشرع نتنياهو في تطبيق نصيحة ليبرمان، من خلال دعوة من سماهم “أصدقاءه” العرب إلى ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية لحملها على تقديم ”تنازلات” تفضي إلى توقيع اتفاق ”سلام” مع الصهاينة.
ولسنا ندري ما هي “التنازلات” الجديدة التي يريد الصهاينة من “حلفائهم” العرب الضغط بشأنها على السلطة الفلسطينية لدفعها إلى تقديمها لهم، والحالُ أن هذه السلطة قد تنازلت عن الكثير مجّاناً طيلة 21 سنة من المفاوضات الماراطونية العبثية مع الاحتلال ولم تحصل بالمقابل إلا على تهويد القدس وتقويض أساسات المسجد الأقصى وتغوّل الاستيطان وابتلاعه الضفة الغربية حتى لم نعد نعرف أين ستقوم “الدولة الفلسطينية” المنتظرة ما دامت المستعمَرات قد مزّقت أوصالها شرّ ممزّق؟
الأرجح أن نتنياهو يريد من “أصدقائه” العرب الذين وقفوا ضد المقاومة دون أدنى شعور بالخجل والعار، أن يكملوا “صنيعهم” معه، ويرغموا السلطة على الاعتراف بما يُسمّى “يهودية إسرائيل” والقبول بـ”دولةٍ فلسطينية” ذات حدود هُلامية مؤقتة، منزوعة السلاح؛ يسيطر الاحتلالُ على أجوائها وحدودها البرّية ومياهها الإقليمية بذريعة منع إيران من تهريب أسلحتها إلى المقاومة، أي القبول بـما سمته إحدى الصحف العبرية منذ أشهر بـ”دولةٍ أضحوكة” في العالم.
أما أدوات الضغط العربية على السلطة الفلسطينية، فيمكن استخلاصُها من تصريح أدلت به تسيبي ليفني في أفريل الماضي وأكدت فيه أنها زارت عدداً من البلدان العربية 11 مرّة خلال 50 يوماً وانتزعت من قادتها تعهّداتٍ بايقاف الدعم المالي للسلطة إلى غاية عودتها إلى مائدة المفاوضات مع الصهاينة وتوقيعها اتفاق ”الوضع النهائي” معها والذي يُتبع، بعد تصفية قضايا القدس واللاجئين والمياه وحدود “الدولة الفلسطينية” ومختلف القضايا العالقة، بالإعلان عن نهاية الصراع الفلسطيني- الصهيوني.
إننا إزاء مؤامرة جديدة كبرى على القضية الفلسطينية، أحدُ طرفيها 4 دول عربية إن لم يكن أكثر؛ مؤامرة تضغط باتجاه تصفية القضية برمّتها وشرْعَنة ضياع فلسطين وفرض “سلام” ذليل على شعبها لا يحصل بموجبه إلا على الفُتات، أما إذا رفضت المقاومة الاتفاقَ فسيشنّ الجيش الصهيوني عليها، وجنباً إلى جنب مع عدد من الجيوش العربية “الصديقة”، حرباً ضارية لتصفيتها، ألم يقل نتنياهو إن ”أصدقاءه” العرب لم يعودوا ينظرون إلى الكيان الصهيوني كـ”عدوّ” وأن هناك ”تغييراً جذرياً في الشرق الأوسط” يصبّ في مصلحة كيانه؟
لهذا ليس لدينا شكّ في أن هذه الدول ستستجيب لدعوة “صديقها” نتنياهو وتضغط على الفلسطينيين للتنازل عن كل شيء وتصفية القضية، فما رأيناه منها من خيانةٍ ونذالة وتآمر خلال سنواتٍ طويلة، ولاسيما في حرب غزة، يؤكد أنها فضلت إدارة ظهرها تماماً لقضايا الأمة والتموقع في المعسكر المعادي لها ووضع نفسها في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة.
وللأسف، تحدث كل هذه الموبقات السياسية دون أن تتحرّك شعوبها التي فضلت الاستمرار في خنوعها وكأن الذلة والمسكنة قد ضُربت عليها.