-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
طلقة بارود

نحن .. والدستور .. وأشياء أخرى

نذير مصمودي
  • 4560
  • 1
نحن .. والدستور .. وأشياء أخرى

يرى بعض القراء أنني معجب بالمجتمعات الأوربية والأمريكية عندما أتحدث عنها في مقالاتي، ويفضل البعض الآخر أن أنقل نقاط الضعف في تلك المجتمعات بدل إبداء الإعجاب بها، مع أن أنصبة الحضارة التي حصلت عليها تلك المجتمعات، ومقادير الإنتاج التي تصدرها للعالم تستحق التنويه والإعجاب والاحترام.

  • وأريد أن أؤكد مرة أخرى أنني ما زلت معجبا بما توصلت إليه تلك المجتمعات في الحقوق والحريات، وبما اهتدت إليه في دساتيرها وقوانينها من ضمانات لصون الدماء والأموال والأعراض، وبما كرسته من تشريعات لضبط سياسة الحكم بعيدا عن نزوات الجور والأثرة والاستبداد والطغيان.
  • أمثلة واضحة
  • إذا كانت دساتير تلك المجتمعات قد وفرت للأفراد والجماعات الضمانات الكافية التي تجعل مثلا حرية الرأي حقيقة مرعية دون عائق، وتعتبر المعارضة جزءا من النظام العام للدولة، وتقدم للمحاكمة وزيرا بتهمة اختلاس 200 أورو (ثلاثة ملايين سنتيم)، فماذا قدمت لنا دساتير أنظمتنا وحكامها الذين ما زالوا يقتلون الشعب، ويفعلون بالمعارضة الأفاعيل، غير مبالين بالفروق الدقيقة بين المعارضة المشروعة والمعارضة المنكورة، أو بين النقد الواجب، والخروح المسلح.
  • وإذا كانت هذه الدساتير أو معظمها يضع في صلبه مادة أن الإسلام دين الدولة، أو أن الشريعة المصدر الأوحد للقوانين، فأي إسلام يبيح سفك دم المعارضة لمجرد أنها تعترض على شخص الحاكم أو تطالب سلميا برحيله؟
  • كيف لا تثير إعجابي الديمقراطية في أوربا أو أمريكا، وهي التي ترى أن المعارضة جزء من النظام، وأن الحكم بشر له من يؤيده وله من يعارضه وينقده، وليس هو أحق بالاحترام من أي زعيم معارض، يعترف به ويتفاهم معه دون حرج.
  • والذين يتحدثون باسم الدين، ويعيبون علي إعجابي بالكفار، هل يريدون أن أكون معجبا بمذابح الأمويين في القرن الأول للهجرة ضد معارضيهم من خيار أهل الإسلام، أو أكون معجبا بمعارضة الخوارج الذين استباحوا المجتمع كله بحجة تخليصه من الظلم السياسي، أو أكون معجبا بالعقل الفقهي الإسلامي الذي أسس للقهر تحت ذريعة “الخوف من الفتنة” والحفاظ على وحدة الأمة، حتى وإن تحولت الخلافة إلى ملك عضوض؟!
  • إنني أرفض بغضب كل صيحة لإلغاء ما يسمى في فقهنا بالمصالح المرسلة التي تجعل شؤون الدنيا تتبع اجتهاد البشر مؤمنهم وكافرهم، وترفع عنا الحرج في نقل أحدث ما توصل إليه غيرنا في محاربة الاستبداد وقتل الوثنيات السياسية التي ما زالت تشق طريقها إلينا وسط تأييد رسمي سفيه.
  • لا أريد الإطالة في هذه القضية، فطالما خضت فيها، إنما ألفت النظر إلى أن للغايات الجليلة وسائل نبيلة تعين على إدراكها، وأولو الألباب من الخبراء والفقهاء هم أقدر الناس على تحديد الغايات الثابتة والوسائل المتغيرة.
  • بين التطبيق والتصفيق
  • لنفرض أن المراجعة الجارية للدستور أفضت إلى التعديلات المرجوة من الشعب والأحزاب، فهل يعني ذلك أن مشاكل الجزائريين قد حلت، ولم يعد هناك ما يضطرنا إلى الخوف من المستقبل، أو مما يزيد من احتقاننا ويأسنا؟
  • أنا شخصيا لا أعتقد أن مشكلة الجزائريين في الدستور تحديدا، ولا حتى في القوانين العضوية المنبثقة عنه، بقدر ما هي فيمن لا يحترم هذا الدستور ويعرضه للانتهاك، ويحرم نصوصه وقوانينه من أداء رسالتها الجليلة في خدمة المجتمع ودعم الحق وسيادته، والأمر هنا يتعلق بالكوابح العقلية والنفسية التي ما زالت تكبل إرادة المسؤولين في الدولة، وتزرع في نفوسهم الخوف من أي إصلاح حقيقي يمكن أن يؤدي بغيرهم إلى السلطة، أو أي انفتاح ديمقراطي يمكن أن يفضح بعضهم ويكشف عورته.
  • هذه هي الثغرة التي عمقت أزمة الثقة بين القاعدة والقمة، وجعلت الشعب ينظر إلى الدستور كأي وثيقة ميتة لا وزن لها ولا طعم ولا رائحة.
  • بين اللب والقشور
  • سألت أحد شباب الفايس بوك: أي نظام سياسي تفضل في الجزائر؟
  • قال في إجابة عاقلة: لا يهمني أن يكون النظام السياسي برلمانيا أو رئيسيا أو خليطا بين هذا وذلك، بقدر ما يهمني الشعور في ظل هذا النظام بالحرية والكرامة والأمن والاستقرار، الذي يشعر به الأمريكي في ظل نظامه شبه الرئاسي، ويشعر به البريطاني في ظل نظامه الملكي، أو حتى الذي يشعر به الفرد في غابات الأمازون في ظل نظامه القبلي القديم.
  • وتساءلت: لماذا إذن الاهتمام البالغ بالشكل على حساب الموضوع، والاكتراث بالقشور على حساب اللب والصميم؟
  • وأيقنت أنه لا فرق عندنا، بين متدين يهتم بالنوافل ويترك الأركان، وسياسي يهتم بالرسوم على حساب الصميم، وهذه الأصناف من المتدينين والسياسيين هي التي أضاعت الأمة وخلفت أجيالا لا هي في الدنيا ولا هي في الدين.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • سعد

    إن أبسط متظاهر سلمي أفهم من أفهم فطاحلة الفقة الديني والسياسي ، هذا أنهم اتخذو السلمية سبيلا في المطالبة بحقوقهم فلا سكتو ولاخربو السلاح من عاش منهم عاش حميدا ومن مات مات شهيدا

    وبخصوص الاصلاحات في الجزائر فالأحزاب التي دعيت للمشاورات ،بالتزوير لم تبلغ نسبتها مجتمعة 35 بالمئة في التشريعيات الأخيرة فمابالك بالاحزاب التي لم تطرح أصلا والشخصيات التاريخية التي تجاوزها التاريخ مآلها الفشل بالتأكيد لكن هي خطوة مهة حتى نسمع أصوات أخرى تعارض ماسيطرح المهم ليس هاته الاصلاحات بل ماسيأتي بعدها