الرأي

نكبتُنا في التّعليم

رشيد ولد بوسيافة
  • 1486
  • 7

بعيدا عن هوشة التّشريعيات وما أفرزته من برلمان لا يختلف كثيرا عن النّسخ السّابقة، فإنّ الأنظار يجب أن تتّجه إلى الواقع المزري الذي تشهده الجزائر في قطاع التّعليم بكلّ مراحله، وهو ما ترجمته التّقارير الدولية التي تضع الجزائر في المرتبة 119 من مجموع 140 دولة في العالم من حيث مؤشر جودة التعليم.

هذا التّصنيف لم يأت من فراغ، فكلنا ندرك حجم المأساة في مدارسنا وجامعاتنا بسبب السّياسات المتعاقبة التي حوّلت المدرسة إلى ميدان تجارب ومضمار صراع إيديولوجي بفرض توجُّهات غريبة على المجتمع الجزائري والقيام بإصلاحات أقلُّ ما يقال عنها أنها كانت كارثة على أبنائنا.

وفي هذا السّياق؛ يجب أن نعترف أن المراحل الأولى للتعليم لا زالت تحافظ على بعض التّقاليد العلمية، وتقاوم حالة الانهيار المبرمج عبر سياسة انضباطية واضحة، ومع ذلك يواجه المؤطرون انفلاتا تربويا وأخلاقيا، كان للأولياء دورٌ كبير فيه بسبب انسحابهم وتخليهم عن واجباتهم في متابعة أبنائهم.

أمّا في المرحلة الجامعية فإنّ الكارثة عظيمة، وقد تؤول الأوضاع إلى الانهيار التّام ما لم تبادر الوصاية إلى اتخاذ إجراءات سريعة تعيد ضبط الأمور في اتّجاه احترام الوظيفة الأساسية للجامعة وإعادة الاعتبار للجوانب التّنظيمية، خاصة ما تعلق بالانضباط، وتكفي جولة في بعض الجامعات للوقوف على ظواهر لم تكن موجودة من قبل، خاصة بالنسبة للطّلبة الذين لم يعُد يهمّهم الـتّحصيل العلمي بقدر ما تهمّهم العلامات التي يحصلون عليها.

لقد أصبحت للمنظمات الطّلابية التي كانت فيما سبق تناضل من أجل توفير الظروف المناسبة للتمدرس، هي الآمر الناهي في الجامعة، وباتت شريكا في التسيير بفرض منطقها على مديري الجامعات، بل امتدَّ نفوذُها إلى صفقات تمويل المطاعم الجامعية، وإذا لم تجد تجاوبا من قبل مسؤولي الجامعات تبادر إلى تنظيم احتجاجات بطريقة لا تمتُّ بصلة إلى أخلاق طلبة العلم كأن تقوم بغلق الكليات والمطاعم الجامعية.

أما ما يتعلق بالتّحصيل العلمي، فإنّ الإجراءات الجديدة التي جاءت مع البروتوكول الصحي للوقاية من فيروس كورونا قضت على آخر ما تبقى من مصداقية الشّهادات التي يحصل عليها الطلبة في نهاية مشوارهم الدّراسي، فقد تم تقليص البرنامج الحضوري بنسبة تصل أحيانا إلى 30 بالمائة، وتم اعتماد التعليم عن بُعد من دون أن يكون الأساتذة والطلبة مؤهلين لذلك، وأصبح الأهمّ في العملية كلها هو انتقال الطلبة إلى المستوى الأعلى حتى وإن لم يدرسوا شيئا.

وبعد كل هذا، لا عجب أن تأتي الجامعة الجزائرية في مؤخرة التصنيفات العالمية، ولولا بعض الجهود الفردية للباحثين الذين غالبا ما ينشرون أعمالهم في مجلات علمية دولية مرموقة، لما أصبح للجامعة الجزائرية ذِكرٌ في الأوساط العلمية.

مقالات ذات صلة