هؤلاء أحرقوا فلذات أكبادنا في الوادي؟
لا يمكننا الاقتناع بأن شرارة كهربائية لجهاز طرد البعوض وراء المأساة، القصة أكبر من ذلك بكثير…
لا أدري لماذا لم أتمكن من الفصل العملي، بين حادثة احتراق ثمانية من الرضع في الوادي، ومجزرة بن طلحة التي وقعت بنفس التاريخ، لكن ما أنا مقتنع به تماما، أن من ذبحوا الشعب في التسعينات بالجملة، هم أنفسهم من يقتلونه اليوم بالتقسيط.. وإن بطرق ملتوية وأساليب أكثر من ماكرة.
ستقولون كيف؟ وما علاقة هذا بذاك، وإن القضية مرتبطة بالإهمال فقط وما إلى ذلك.
والجواب أنه في عالم السياسة لا يوجد شيء اسمه الصدفة، ولا يمكن قراءة الأحداث بمعزل عن خلفياتها التاريخية، والدليل أن عمليات القتل بالتقسيط هذه، ومعها الكوارث الطبيعية المفتعلة، بدأت تنشط بقوة، مباشرة بعد سقوط العصابة.
بصراحة، هناك شعور يكتنف الكثيرين وأنا منهم، بأن أياد عابثة وسخة، تحاول كسر أحلام الجزائريين، واغتيال ثورة الابتسامة من على شفاههم، بأن تحولها إلى ثورة دموع، وهؤلاء ومهما حاولوا الاختفاء والاختباء، هم من خططوا لعشرية الدماء والدموع ونفذوها، وهم اليوم بذات الحقد القديم، يحاولون استكمال المهمة القذرة.
بالأمس دلس وملعب 20 أوت ووادي رهيو، واليوم فلذات أكبادنا تحترق بالوادي، وكأنها رسالة تريد أن تقول إننا سوف نقتل فيكم المستقبل الذي تريدون بناءه ونمحو الأجيال الصاعدة.
وقبلها حرائق الغابات التي التهمت رئة الجزائر التنفسية، ولعبة البالوعات المغلقة التي تستمر في إغراق البلد من أقصاها إلى أقصاها كلما نزل غيث واستبشر الناس، تحولت النعمة إلى نقمة، وإلى موت بالسيول.
في كل مرة، يتم إخراج مبررات واهية، من قبيل الخطأ البشري، عصابات الفحم، التهاون… بينما يشتغل كثير من المسؤولين اليوم في القطاعات الحساسة، بنفس عقلية الانتقام من الشعب، عبر ترسيخ الفساد، وسوء استعمال السلطة، وعدم الكفاءة في التسيير، وقد حصلوا على تلك المناصب بالتزلف للعصابة القديمة، وتقديم قرابين الطاعة.
الذين جاسوا خلال الديار في بن طلحة والرايس، لم ينقرضوا.. وحتى إن غابت الرؤوس الكبيرة، فإن “الذيول موجودة” للأسف وفي كل القطاعات تقريبا، وهو ما أدركه الجيش من أول لحظة، وطالب الشعب بأن يفهم جيدا معركة “تفكيك الألغام المزروعة”، وهي أخطر بكثير من معركة كسر العظم الأولى.
وحتى نفهم الصورة أكثر، صورة احتراق أطفال رضع داخل مستشفى للأطفال، أو أن تجرف السيول والوديان الأطفال والصبيان، أو يسقط شباب يافع في تدافع في ملعب للرقص والقيان، لا بد أن ننظر إلى صورة أكبر.. وهي صورة موت آلاف الشباب غرقا في قوارب الحرقة، من دون أن تتحرك الدولة، طوال سنوات طويلة من حصول هذا النوع من البهتان.
لم تكن العصابة تهتم إطلاقا لأرواح الناس، فبعد “انقلاب 92″، كان القتل على الهوية مبررا، وبعد مجيء بوتفليقة والوئام المدني، تحول القتل إلى قتل الإنسان كإنسان، في كرامته وانتمائه.. قبل أن يكون مجسدا في اغتيال الأبدان.
ولهذا لا يستبعد أن تحاول يائسة هذه “الأذناب” مواصلة لعبتها القذرة الجديدة، في اغتيال ثورة الابتسامة، بصناعة المزيد من الكراهية والدموع، والمزيد من الأحداث التي يراد بها وقف عجلة التاريخ، ومنع الجزائريين في أن يأملوا في التغيير والإيمان بالانتخابات والرئيس الجديد والجزائر الجديدة.
سيعرقلون، ويشعلون الحرائق، ويقطعون الكهرباء والماء عن الناس، ويفتعلون الحوادث، ثم يخرجون عبر “اللايفات” من الخارج، ليقولوا لكم.. أرأيتم هذا هو العهد الجديد.
نعم سيواصلون حرق أكبادنا.. وسنواصل إنجاب الأطفال.
وسيواصلون محاولة صناعة الكوابيس، وسنواصل الحلم الجميل.
وسيحاولون زراعة اليأس، وسنبقى نزرع الأمل في جزائر جديدة من دونهم.. وسننتصر بإذن الله.