-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عمال يبحثون عن الأمان الوظيفي والاستقرار والتحفيزات

هجرة نحو القطاع العام.. والتعليم الأكثر طلبا

مريم زكري
  • 2016
  • 0
هجرة نحو القطاع العام.. والتعليم الأكثر طلبا

تحولت الوظيفة بشركات الدولة والمؤسسات العمومية إلى “حلم” يراود أغلب الجزائريين، ويستقطب الآلاف من العمال والموظفين الراغبين في تغيير مسارهم المهني، بحثا عن الأمان من التقلبات المفاجئة، وضمان الاستفادة من الامتيازات الخاصة بزيادات الأجور والتقاعد المريح غيرهما، رغم أن القطاع الخاص بدوره يضمن تجارب أوسع وخبرات متعدّدة، كما يتيح اكتساب مهارات جديدة في مهام مختلفة.
ويرى مختصون وخبراء في مجال الاقتصاد، بأن تغيير المسار الوظيفي في منتصفه، والتحول من العمل من المؤسسات الخاصة إلى القطاع العمومي، هو ناتج لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية وحتى نفسية، لتوفر الأجواء الآمنة بمؤسسات الدولة ولكونها مصدرا مريحا من الناحية المادية أيضا، حيث فضّل الكثيرون ترك مناصبهم بشركات خاصة خوفا من التوقف المفاجئ، الذي تفرضه قوانين العمل بذات القطاع.

التعليم الأكثر طلبا في سوق العمل
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي كمال ديب، بخصوص هجرة العمال من القطاع الخاص نحو العمومي، أن الأخير يتمتع بنوع من الأمان الوظيفي ولكونه مسيرا بقوانين محكمة تحمي الحقوق وتحدد الوجبات بدقة بالنسبة للعمال، كما تبعدهم عن جميع الضغوط والتحرشات والابتزاز المهنية.
وتحدث ديب عن العمل لدى الخواص بالجزائر قائلا إنه يتميز بـ”اللاستقرار”، كما اعتبره تهديدا للمسار المهني للعامل، الذي يبقى مهددا بالطرد وفسخ العقد في أي لحظة- بحسبه- عكس الوظائف لدى مؤسسات الدولة التي تكون غالبا بعقود دائمة وفي حالة التوظيف بعقد محدد يتم تثبيته، لحماية مناصب العمال بعد فترة معينة من التوظيف.
وتسيل الأجور المرتفعة والنقابات لعاب الكثيرين من العمال لدى القطاع العمومي، خاصة بقطاع التعليم العالي، من خلال البحث عن فرص عمل بحسب الدرجات العلمية، التي تتيح لهم الظفر بمنصب فالقطاع، ويتزامن ذلك كما يقول المختص كمال ديب، مع القرارات الأخيرة للوزارة المعنية بتوظيف حاملي شهادة الدكتوراه والماجستير، الذين توجهوا نحو قطاع التعليم العالي، والذي يعتبر أحد أهم القطاعات الأكثر طلبا للعمل والتعليم بصفة عامة، لما يوفره من مزايا وامتيازات خاصة بالنسبة للنساء، نظرا لخصوصية المجتمع الجزائري حول عمل المرأة، باعتباره مصدر عمل آمن لها، ومصدر حماية من الابتزاز والتحرش بحسب المتحدث.

القطاع العمومي فرصة للبحث عن الاستقرار المهني والأجر المرتفع
بدوره، قال الخبير والبروفيسور مراد كواشي إن الانتقال من الوظيفة بالقطاع العام نحو القطاع العمومي، هي ظاهرة انتشرت مؤخرا في عدة بلدان بالعالم وليس الجزائر فقط، مضيفا أن هذا الوضع أصبحت تتحكم فيه عدة عوامل اقتصادية واجتماعية نفسية.
وأشار كواشي إلى أن الآلاف من الموظفين والعمال يغيرون وظائفهم ومناصب عملهم لأكثر من 11 مرة خلال مسيرتهم المهينة، متنقلين بين مختلف المؤسسات والقطاعات سواء كانت عمومية أم خاصة، بحثا عن التغيير وتحسين ظروف العمل للأفضل.
وأردف محدثنا أن بعض الامتيازات المادية التي توفرها مؤسسات معروفة في الجزائر، تجعلها المكان الأكثر استقطابا للعمال بحكم ارتفاع الأجور فيها خاصة مع حالات التضخم التي يشهده الاقتصاد الوطني، الذي دفع بالكثيرين إلى البحث عن عمل بأجر مرتفع.
ويرى كواشي أن عدم توفر فرص عمل كثيرة حاليا يحتم على البعض التشبث بمنصب عمله، الذي حصل عليه بشق الأنفس بعد عناء طويل من البحث والتنقيب للعثور على وظيفة، وأردف قائلا إن ظاهرة انتقال الموظفين نحو مؤسسات الدولة، أصبحت عرفا سائدا بالجزائر في السنوات الأخيرة، وارجع مصدرنا سبب ذلك إلى الاستقرار الذي يعرفه القطاع، كما أنه يوفر الأمان الوظيفي على حد تعبيره، إلى جانب التمتع بمزايا عديدة منها رفع الأجور التي أقرها رئيس الجمهورية وتوفر المنح والعطل الأسبوعية وامتيازات أخرى قد لا تتوفر بالقطاع الخاص، ولمح المتحدث إلى أن القرارات الأخيرة بزيادة الأجور والتي مست بشكل أكبر موظفين بالقطاع العام كان سببا في جذب واستقطاب طلبات العمل، مقارنة بالقطاع الخاص يضيف كواشي- الذي لا تزال الزيادات قليلة به عموما، كما أن العامل والموظف به لا يشعر بالاستقرار والأمان، وعلى حد قوله فالموظف مهدد بفقدان منصبه ووظيفته في أي لحظة أو بمجرد خلاف بسيط مع رب العمل، عكس القطاع العمومي الذي أصبح يمنح أكثر أريحية وأكثر أمانا بشكل عام، إضافة إلى الامتيازات المالية التي تلعب دورا مهما في الفترة الأخيرة.
ونوه كواشي إلى أن شخصية الموظف لها دور في اتخاذ قراراته بخصوص وجهته المفضّلة أو الاستقرار بمكان عمله الأول، ويرى المتحدث أن بعض الموظفين بالقطاع العام يفضّلون التغيير أيضا بحكم حبهم للمغامرة والمخاطرة، فيتجهون -حسبه- نحو ممارسة الأعمال الحرة والمقاولاتية وإنجاز مشاريع استثمارية مصغرة، هروبا من ضغط الوظيفة التي تستهلك جهدا أكبر ووقتا أطول، كما أن الالتزام بالوقت، بحسب كواشي، أمر صعب لاستمرار بعض الأشخاص بوظيفتهم سواء لدى مؤسسات عمومية أم خاصة.

ممارسة الأعمال الحرة والمقاولاتية هروبا من ضغط “الوظيفة”
وفي سياق آخر، يفضّل العديد من الشباب التوجه نحو تأسيس مشاريع خاصة بهم على الرغم من صعوبة توفير مبلغ أو ميزانية المشروع، إلا أنه يبقى أفضل اختيار للبعض بدلا من الاستسلام لضغط الوظيفة حتى وإن كانت بالقطاع العام، خاصة مع صدور القانون الأساسي للمقاول الذاتي الذي سيسمح بتطوير روح المقاولاتية، وتسهيل ولوج الشباب إلى سوق العمل عن طريق التوظيف الذاتي.
ويتجه معظم الشباب وخاصة خريجي الجامعات إلى العمل الخاص أو تأسيس مشاريع ناشئة ومصغّرة خاصة بهم، لأنها تعد أكثر “ريعية” ودخلا من الوظيفة في القطاع العام، ويؤكد بدوره الشاب “محمد”، خريج تخصص هندسة مدنية منذ أربعة أعوام، أن فرصته في الحصول على وظيفة بحسب اختصاصه كانت مجرد حلم، لم يحصل عليها حتى اللحظة، فكلما قصد مؤسسة أو شركة لتقديم طلب للتوظيف، يصاب بالإحباط، فهم يطلبون، بحسب محمد، شروطا تعجيزية، منها توفر خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو يعتذرون لعدم توفر منصب، وإن وجد، فيكون خارج تخصصه الجامعي، وبذلك، قرر الأخير البحث عن فرصة أخرى لكسب المال بالعمل على تجسيد أفكاره في مجال صناعة التحف والمجسمات الصغيرة وإكسسوارات الديكور الخاص بالمنازل والمكاتب، بعد اقتراض مبلغ مالي من قريب له، لفتح ورشة خاصة بنشاطه الجديد. من جهته، يصرح “أنس”، متخرج من معهد التربية البدنية بسيدي عبد الله في العاصمة، بأنه كان يعتبر الوظيفة الأمان الوحيد لمستقبله، فهي -بحسبه- استمرار للدخل الذي لا ينقطع، غير انه اصطدم بعد توظفه بموجب عقد عن طريق الوكالة الوطنية للتشغيل “لانام” ببلدية بئر خادم، بواقع مر وتغيّرت بعد ذلك نظرته لمفهوم الوظيفة، لذلك، قرر تأسيس مشروع مشترك مع زميل له، من خلال فتح قاعة رياضة للتدريب خاصة برياضة كمال الأجسام، قائلا إن ذلك سيساعده على جني أرباح أكثر، بدلا من اعتماده على المرتب الشهري في حال استمراره بوظيفته، أو منصب عمل آخر بأي مؤسسة مهما كانت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!